ما يزال القرار الجزائري "الجريء والمسؤول" عندما قررت رفض زيارة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير يثير تداعيات على أكثر من صعيد وأخشى ما يخشاه الإيليزي هو أن يتعدى هذه "المقاطعة الديبلوماسية" مجالات أخرى مثل الاقتصاد والتجارة، سيما وأن الجزائر تحوز على بدائل متعددة تسمح لها بتجاوز "فرنسا أو على الأقل ادراجها ضمن قائمة الشركاء الثانويين". وحسب المتتبعين لملف العلاقات الجزائرية الفرنسية، فان باريس "هربت إلى الأمام" دون أن تقدر العواقب والتبعات عندما انجرت واقتفت آثار الولاياتالمتحدةالامريكية حليف ساركوزي الاولى وتجرأت قبل يومين حسب تصريحات كبار المسؤولين في الخارجية الفرنسية بالقول إنه "لا يمكن التحدث عن رفض زيارة لم تكن مقررة أصلا"، هنا تتجلى "العقدة الفرنسية" بكافة أبعادها، لان الحقيقة أن برنار كوشنير قد أكد مطلع الشهر الجاري أنه سيقوم بزيارة الى الجزائر شهر فيفري دون أن يقدم تاريخا محددا. ويصف المتتبعون لهذه "الازمة الديبلوماسية"، أن خرجات الديبلوماسيين الفرنسيين تنطلق من مكبوتات "العزة بالنفس" ليس الا عندما تذهب الى القول إن الجزائر لم تكن في أجندة كوشنير البتة على الاقل خلال العام الجاري 2010، ويتمادى هؤلاء الديبلوماسيين الفرنسيين في التصريح بالمعلومات المغلوطة عندما بجزمون أن "حكاية الزيارة والرفض" هي من صنيع الصحافتين في كلا البلدين. ويتفق أغلب المحليين السياسيين في كلا البلدين، على أن الدوافع العميقة للموقف الجزائري يكمن أولا في اصرار باريس على الموقف الرافض للاعتذار عن الجرائم التي ارتكبتها خلال حقبتها الاستعمارية، وأيضا اعتبار باريس الجزائر دولة هامشية غير مؤثرة في مشروع "الاتحاد من أجل المتوسط"، علاوة على سياسة الهجرة التي اعتمدتها باريس على رعايا الضفة الجنوبية للمتوسط والتي وصفتها الجزائر في اكثر من مناسبة ب "المجحفة". أما بالنسبة للاسباب الظاهرة، فهي حسب تصريحات كبار المسؤولين في الخارجية الجزائرية تكمن في تأشير باريس بالايجاب على لائحة الولاياتالمتحدة التي تدرج الجزائريين ضمنها الى جانب اليمنيين والصوماليين والافغانيين، كرعايا خطرين على الامن القومي الامريكي، حيث يخضع هؤلاء لمسح ضوئي شامل في المطارات بشكل تمييزي و انتقائي صارم، الأمر الذي أثار حفيظة الجزائر عندما أكدت مصادر في وزارة مراد مدلسي أنه مادامت فرنسا لم تسحب الجزائريين من القائمة السوداء، فلن تكون هناك زيارة لا لكوشنير ولا لأي مسؤول فرنسي في أعلى مستوى. من جانبها، اختارت باريس الصمت رغم التصعيد الاعلامي وتنامي حدة التحليلات والتصريحات الرسمية وغير الرسمية في كلا البلدين، حيث اكتفت وعلى لسان أحد مساعدي المتحدث باسم الخارجية بالإليزي فضل عدم الكشف عن اسمه كما أسلفنا بالقول إنه لا يمكن التحدث عن إلغاء زيارة لم تكن مقررة أصلا، رافضا إعطاء أي توضيحات عن هذا الموضوع، لكنها من جانب آخر حاولت الاستخفاف بالملف والتهوين عندما قالت الخارجية الفرنسية قبل أيام أن الإجراءات الأمنية المشددة لا يستهدف الجزائريين لوحدهم، بل تشمل كل المسافرين القادمين من الدول ال 13 التي أدرجتها واشنطن ضمن لائحة الدول التي يعتبر المسافرين منها وإليها خطيرين، وهذا التصريح اعتبر من طرف الجزائر إسقاطا على المثل القائل "رب عذر أقبح من ذنب".