كتب"فولتير" يوما إلى "جان جاك روسو": "أنا لا أتفق مع كلمة واحدة مما تقول, لكننى أدافع حتى الموت عن حقك لكى تقولها". لماذا يصر البعض على الابتعاد عن الحقيقة وعدم تسمية المولود باسمه, ولماذا يتعاملون مع الواقع كالنعامة التي تخفي رأسها في الرمال وسائر جسدها مكشوف للجميع؟..ألم يحن الوقت لنعبر عما يجول في خاطرنا بدون تردد أو خوف من القابعين على رأس هرم أنظمتنا المتخلفة القامعة, وألم يصدق فارس الشعراء العرب الراحل نزار قباني واصفا هذه الأنظمة بقوله:"ذهب الشاعر يوماً إلى الله..ليشكو له ما يعانيه من أجهزة القمع..نظر الله تحت كرسيه السماوي وقال له: يا ولدي هل أقفلت الباب جيداً؟", ومتى سنعيش في أوطان تحمينا وتأوينا وندافع عنها, أوطان جديدة وغير مسكونة, ورب لا يطاردنا, وأرض لا تعادينا؟, ومتى سنأخذ بمقولة الرئيس الأمريكي الأسبق روزنفيلت"لا يوجد شيء في هذه الحياة يخيفني، سوى أن أخاف من الخوف"؟..لقد قضى فولتير حياته من أجل حرية التعبير وأطلق شعاره المعروف"إنني مستعد أن أموت من اجل أن أدعك تتكلم بحرية مع مخالفتي الكاملة لما تقول", فهل سيأتي اليوم الذي نحيي فيه مبدأ فولتير هذا؟. قبل أيام قلائل تم إجراء تعديل على تركيبة حكومة سمير الرفاعي الأردنية, ومن بين الخارجين منها وزير العدل أيمن عودة, وخلفه في هذا المنصب هشام التل, وفي هذا السياق قرأت مقالا للمحامي محمد الصبيحي رئيس تحرير موقع"عمان نت 1 الإخباري" بعنوان"أيمن عودة ذهاب بلا عودة", ولا أريد هنا الخوض في حيثيات ما جاء فيه, فالمكتوب واضح من عنوانه. لست بصدد الدفاع عن أيمن عودة, ولكن إظهار الحقيقة وتوضيحها يعتبر واجبا على الجميع احترامه وتنفيذه. من يقرأ مقال الصبيحي لا يمكنه إلا أن يستنتج بأن كافة الأمور في الأردن على ما يرام إلا قضية وزير العدل السابق وموقفه من القضاة والجهاز القضائي الذي غابت عنه شمس الحرية والاستقلال منذ تأسيسه..لا, ما هكذا تورد الإبل يا محمد الصبيحي, واليك الأسباب. من الناحية النظرية ومن المفهوم المنطقي فان القوانين التي تخص السلطة القضائية وجهازها في الدول العربية تنص وبشكل لا يقبل الشك على احترام القضاة واستقلاليتهم, ومنحهم الحق التام في اتخاذ قراراتهم وأحكامهم, وهذا ما يحدث بالفعل في الدول المتحضرة والديمقراطية. ولكن شتان ما بين الثرى والثريا, فما نشاهده على أرض الواقع في"المجموعة الفضائية" للدول العربية لهو بعيد كل البعد عن المفهوم النظري للموضوع, والسبب في ذلك يرجع الى أن الأنظمة العربية بمجملها لا تزال خاضعة للنظم القبلية والعشائرية التي تسيطر عليها سيطرة شبه كاملة, فهذه الأنظمة لم ولا ولن تتمكن في يوم من الأيام في تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث, التنفيذية, التشريعية, والقضائية, وهذا الأمر يرجع الى دكتاتورية حكام هذه الأنظمة الذين يقفون على رأس هرم السلطة التنفيذية, فهم حكام بأمر من الله لا تجوز مناقشتهم, وبيدهم الملكوت, فهم الذين يأمرون بتشكيل ما يسمى زورا وبهتانا"مجلس نواب", وهم كذلك من يقررون فضه, وهم من يعينون كبار القضاة"قضاة السلاطين", ويأمرون بتشكيل حكومة وإجراء تعديل عليها وحتى حلها متى شاؤوا ورغبوا, بل أكثر من ذلك, فالدستور يعتبر كحجارة الشطرنج في أيديهم يتلاعبون فيها ويحتالون عليه تبعا لتحقيق رغبات شخصية خاصة بهم، ولنا في التاريخ الحديث لبعض الأنظمة العربية خير مثال..الأردن، مصر، تونس وسوريا. نعم, انهم يعدلون الدستور ويقومون بإضافة فقرات وبنود وإلغاء أخريات من خلال برلماناتهم, لكي تأخذ الأمور وجها نزيها ديمقراطيا, ولكنها برلمانات تبعية خاضعة لإرادة حكام قامعين.برلمانات لا تعرف الا كلمة"نعم", وان وجد فيها من يقول"لا", فهو مدسوس من قبل هؤلاء الحكام أصحاب الحق المطلق, أو كما قال غوار الطوشة انه"واصل". ومن هنا أقول للسيد الصبيحي, رحل وزير عدل وحل مكانه وزير أخر, خرج أيمن عودة وخلفه في منصبه هشام التل, فلن يغير هذا الأمر أي شيء يذكر, تماما كما هي الصحف العربية, أصدق ما فيها أمران لا ثالث لهما:صفحة الوفيات, وتاريخ صدورها الذي يتجدد يوما بعد يوم. المحامي الصبيحي المحترم, دولنا العربية بحاجة الى عدالة وحرية, ولا قيمة لوزارة عدل ووزيرها في ظل غياب هذه الأمور, وكنت أتوقع منك كونك أدرى بشعاب العدل والعدالة والحرية أن تقول كلمة حق لا تقبل القسمة على اثنين, وحتى تنعم شعوبنا بالحرية والتحرر والعدالة أقول ما قاله سيد القائلين نزار قباني:"أقول:لا غالب إلا الشعب للمرة المليون, لا غالب إلا الشعب, فهو الذي يقدر الأقدار وهو العليم، الواحد، القهار. والى هشام التل أقول, أعانك الله على هذا الحمل الثقيل لأنه يتوجب عليك إرضاء الجميع شئت أم أبيت, وإلا سنقرأ عنك مقالا يشبه ذاك الذي كتب في من خلفته في منصبه ان لم يكن أكثر سخونة.