يكشف عزم السلطات الفرنسية على إصدار قانون جديد للجنسية عن تخوف باريس من ظاهرة الأجيال المتعاقبة للمهاجرين، خاصة المنحدرين من أصول شمال إفريقية، حيث أصبحت الجالية المغاربية في فرنسا، لاسيما الجيل الثالث والرابع، خطرا محدقا يهدد الأمن القومي لفرنسا، في ظل تكرار مشاهد الحقد المتوارث لمزدوجي الجنسية لكل ما يرمز لفرنسا. ولعل ما يعزز من مخاوف السلطات الفرنسية من "القنبلة الموقوتة" التي تحملها ظاهرة مزدوجي الجنسية من الجالية المغاربية، خصوصا الجزائريين، هو بقاء تمسكهم بانتمائهم وأصولهم، مثلما أظهرته أكثر من مناسبة، مثل مباريات كرة القدم، أين سجلت أكثر من حادثة حمل العلم الجزائري في مناطق بفرنسا، مما يؤشر على نشأة لوبي جزائري من الجالية الجزائرية بدون قصد. وبصرف النظر عن الأسباب الحقيقية والدوافع من وراء الرغبة في تعديل قانون الجنسية الفرنسية، حيث يرى البعض أنه بدوافع انتخابية تحسبا للرئاسيات المقبلة في فرنسا، لتحجيم دور مزدوجي الجنسية والحد من إمكانية تدخل دول أو لوبيات من الخارج في تحديد هوية الفائز في الانتخابات، فإن قانون الجنسية الجديد الذي تعتزم باريس إصداره، من شأنه في حالة تطبيقه على المهاجرين من كافة الأصول، أن يهدد حتى نيكولا ساركوزي بتجريده من الجنسية الفرنسية، كونه يحملها بشكل مكتسب، إذ أنه في سنة مولده كان والده يحمل الجنسية المجرية، رغم انخراطه في صفوف مرتزقة الجيش الفرنسي في نهاية سنوات الأربعينات. وبالحديث عن والد ساركوزي، المعروف باسم بال ساركوزي، وهو اسم مكتسب بعد التحاقه بمرتزقة الجيش الفرنسي، بعد تغييره من ناغي بوسكا، فإن هذا الأخير فر هاربا من بلده المجر نحو الحدود الألمانية الفرنسية، وتحديدا في مدينة بادن بادن، أين التقى أحد ضباط الجيش الفرنسي المختصين في تجنيد المرتزقة، ضمن صفوف ما يعرف ب"اللفيف الأجنبي" في الجيش الفرنسي، حيث أغراه بالمال وأقنعه بالالتحاق بصفوف الجيش. وتكشف اعترافات لوالد ساركوزي نشرها في كتابه "الكثير من الحياة" أنه التحق بمعسكرات مرتزقة الجيش الفرنسي في الجزائر، خلال فترة الاستعمار، موضحا أن فرقة اللفيف الأجنبي التي كان ينتمي إليها، والمعروفة بوحشيتها وقسوتها وارتكابها مجازر حرب، كانت تعسكر في مدينة سيدي بلعباس. ورغم أن والد ساركوزي استفاض في كتابه في عرض مراحل حياته، غير أنه لم يأت على ذكر تفاصيل مرحلة تواجده في الجزائر ضمن صفوف فرق المرتزقة، متفاديا بذلك ذكر المهمات التي قام بها أو طبيعة العمل المنوط به. وبالتدقيق في المسار التاريخي لساركوزي الأب، فإن الصورة قد تكتمل بشأن التركيبة الشخصية لساركوزي الابن، والتوصل لمعرفة أسباب انتهاجه في سياساته قرارات تمجد الاستعمار وتحاول تصويره على أنه من إيجابيات "الجمهورية الفرنسية".