يعتبر الوقوف مطولا ولفترات طويلة في صفوف الطوابير، من أجل قضاء الحاجات التي يرغب فيها كل واحد منا، كشراء شيء ما أو تسديد بعض الفواتير وإلى غير ذلك من الأشياء التي تحتم علينا بأخذ مكان في هذه الطوابير والانتظار بداخلها، وهذه الأخيرة لا تقل أهمية في التسبب لبعض الأفراد بالتوتر والقلق، كما ترفع من ضغط دمهم أو تخفضه، وإن لن تفعل هذا فأقل شيء تتسبب به هو الصداع حسب الطبيبة العامة »خالدي.ب«. أجمع العديد ممن التقت بهم «السلام اليوم» على أن كل واحد يرغب في تسديد فاتورة الهاتف أو الكهرباء أن يأخذ مكانه في صف الطوابير وينتظر دوره لتسوية وضعيته، وأمام هذه الإشكالية التي حتمت عليه القيام بهذا السلوك، «كريم» طالب جامعي بجامعة الجزائر 3، أعرب لنا عن ثقته بأن أغلب المنتظرين في الطوابير لا تقل مدة وقوفهم فيها عن نصف ساعة، وهذا عندما قال: «إن أقصر فترة يقف فيها بعض الأشخاص في الأماكن المزدحمة وبطوابير الانتظار تصل إلى نصف ساعة، في حين قد تكون الفترة أطول في طابور آخر، وهذا حسب الخدمة التي يرغب كل شخص في القبام بها في مكان معين، وهنا يمكن القول أن المدة التي يستغرقها كل واحد منا في الطابور تعتمد على النوع الصف الذي نقف فيه»، وفي نفس السياق، يشير إلى أن اغلب الطوابير المتشكلة تكون عادة في مراكز البريد، المستشفيات، وأيضا حافلات النقل العمومي، كما انه لم يستثن الطابور الذي يشكله الأفراد لحصولهم على وجباتهم اليومية كالطعام في بعض المطاعم. كما أبدت «سليمة» 29 سنة ربة منزل، استيائها عند سؤالها عن ظاهرة الطوابير التي نراها كل يوم في العديد من المناطق، وقالت: «كثيرا ما وقفت في الطوابير الطويلة التي لا تنتهي عند رؤيتها، وهي مملة لدرجة لا يمكن تصورها عند الجنسين ولمختلف الفئات مهما كانت أطفال، شباب، رجال ونساء وحتى شيوخ وعجائز، فهم أيضا لهم نصيب من هذا الوقوف وانتظار الدور»، وتضيف: «ويكون هذا روتين من أجل قضاء حاجة تعز في نفسي وأريد شراءها خصوصا في المطاعم ومحلات الأكل السريع، في حين أن البعض يقوم به من أجل شراء شيء معين أو لتسديد بعض الفواتير من جهة، والبعض من أجل الوصول إلى الطبيب لتشخيص مرضه»، ومن ناحية طريقة تصرف هذه الفئات في مثل هذه الطوابير فقد قالت: «هناك من يكون هادئا ولا يصدر ردة فعل ويكتفي بإبراز الملامح التي تعكس وضعيته في هذه الحالة، والبعض الآخر لا يتحمل هذا الوضع فيظهر استياءه وتذمره بإبداء تعليقات كأبسط تصرف». ...والخبز يجبر البعض على دخول الطوابير لاقتنائه وفي السياق ذاته، فقد أكد «حسام» 30 سنة، أن هذا السلوك أصبح روتينا يوميا لا يمكن الاستغناء عنه حينما قال: «لقد تعودنا على الانتظار ولدقائق طويلة في وسط الطوابير من أجل شراء مادة الخبز من إحدى المخابز الموجودة بجسر قسنطينة، وهذا راجع لقلة المخابز بمنطقتنا من جهة، وكذا للجودة والنوعية التي تشتهر بها هذه الأخيرة، لكننا نتذمر من هذا السلوك الذي يأخذ منا بعض الجهد، ويعرضنا للانزعاج والتوتر»، ويضيف أيضا: «كل مساء استغرق قرابة نصف ساعة لشراء الخبز، وهذا بسبب الاكتظاظ وكثرة الطالبين لهذه المادة الأساسية، وبحكم أن زوجتي تعمل أيضا فنحن مجبران على اقتنائه في الصباح الباكر قبل الذهاب إلى العمل، وهذا عندما لا يكون العدد المتهافت عليه كبيرا أو تأجيله للمساء ويوقعني دائما في ورطة الانتظار». ...والانتظار الطويل يشعر البعض بالغضب والملل اعترف العديد من الأشخاص الذين التقيناهم في الشارع بأنهم يشعرون بالغضب لدرجة أن البعض منهم يكره تلك الحاجة التي جاء من أجل قضائها وهذا حين يجبر على الانتظار لفترات طويلة رغم أنه يدري في كثير من الأحيان أنه يمكن أن لا يقضيها، «خالتي مريم» 60 سنة، واحدة من هذه العينات، فحين وصول دورها للدخول لمقابلة مسؤول البلدية في أحد الأيام، وبعد انتظار طويل في الطابور دام لقرابة ثلاث ساعات ما بين الوقوف والجلوس، تصطدم بقول الحارس: «إن الزيارة انتهت والمسؤول استقبل بما فيه الكفاية، لهذا لا يمكنها الدخول، وإن أرادت مقابلته عليها العودة في يوم آخر»، ورغم أن هذا اليوم لن يكون إلا بعد قرابة أسبوع، ورغم المحاولات التي قامت بها وتوسلاتها للحارس لفسح المجال لها لمقابلة المسؤول، إلا انه لم يأخذ طلبها بعين الاعتبار على حد تعبيرها، وهذا الأمر أصبح يسبب لها الكثير من التوتر والقلق خصوصا بعد انتظار الدور وعند وصوله يلغى فتقول: «عند إلغاء دوري في ذلك اليوم أصبت بارتفاع في ضغط الدم بسبب التوتر الذي أصابتي». ...وللأطباء ما يقولون في الانتظار الطويل ولمعرفة الآثار التي يسببها هذا الانتظار الطويل في الطوابير على الأفراد الذين ينتظرون دورهم لساعات من أجل اقتناء شيء أو حاجة، ارتأينا الاتصال بالعديد من المختصين وأجمع أكثرهم إلى أنه يؤثر عليهم سلبا من الناحية النفسية وأيضا الجسدية، وهو ما أكدته «خالدي.ب» طبيبة عامة، فقد أشارت إلى أن مستويات التوتر لدى الأفراد ترتفع بسرعة ولا يمكن توقع حجمها خصوصا إذا لم يحصلوا على مبتغاهم فتقول: «هناك الكثير من الأشخاص الذين تعاملت معهم وتأكدت من خلال وضعيتهم، أنهم يشعرون بالتوتر والقلق أكثر عندما يكونون في حالة ضغط كالوقوف في بعض الطوابير وهم ينتظرون دورهم ولمدة طويلة وقد لا يحصلون على مبتغاهم في النهاية، وهذا ما يؤثر سلبا على صحتهم ويدخلهم في عدة متاهات، فهناك من يتعرض للتوتر والقلق، فتجده أحيانا يقول أشياء وهو لا يردي ماذا يقول»، وتواصل كلامها: «هناك من ينتظر دوره خصوصا في بعض المؤسسات العمومية و قف في الطوابير لمدة ساعة أو ساعتين وعند ما يحين دوره يعلم بأن الوقت المحدد انتهى، أو انه حان وقت الفطور وعلى العاملين الذهاب للأكل رغم أن الساعة في كثير من الأحيان لا تشير إلى منتصف النهار، هنا يشعر بخيبة أمل وسوف يتعرض لنوبة قلق وتوتر شديدين لا محالة فيهما، أو إلى ارتفاع ضغط الدم، في حين أن هناك من يتعرض لصداع، وفي كثير من الأحيان يكون بألم في الرأس فقط، وأيضا قلق مزمن أو اضطرابات في المعدة والأمعاء، أو غيرها من الأعراض التي تنجر من وراء هذا الانتظار لمدة طويلة داخل صفوف الطوابير من أجل قضاء كل فرد لحاجياته». ورغم التطور الملحوظ في الكثير من المجالات والذي من المفروض أن يقضي على مثل هذه الظواهر السلبية، إلا أن الكثير من الأشخاص مازالوا يشكون منها وأبسطها الطوابير الكبيرة أمام المخابز، فمع الانتشار الكبير لمثل هذه المحلات إلا أن المواطن مازال يتكبد عناء الانتظار الطويل قصد الحصول على بضع خبزات في الكثير من المناطق والسبب يرجعه الباعة في كل مرة إلى أمور معينة كنقص المادة الأولية أو ارتفاع الطلب وغيرها ليجد المواطنون من مختلف الأعمار أنفسهم مجبرين على تقبل الوضع كما هو وانتظار الدور للحصول على ما يرغبون فيه حتى وإن تسبب لهم ذلك في أعراض صحية سيئة، خاصة الأشخاص المسنين والأشخاص الذين يعانون من الأمراض المزمنة.