يمثل المعرض الدولي للكتاب الحدث الثقافي الأكبر بل الحدث السياسي الأبرز الذي من المفترض في أبجديات العمل الصحفي أن يتصدر مقدمة الأخبار التلفزيونية والإذاعية في المساء أو واجهة الجرائد الورقية اليومية في الصباح. ولكن كيف يكون الأمر عندما يفتتح المعرض الدولي للكتاب في الجزائر من غير أن تنفرد أكبر جريدة ورقية في الجزائر بالحدث الثقافي الأكبر أو تخصص له ولو كلمة واحدة أو جملة تتألف من سطرين مثل إعلانات صفحات الوفيات أو المفقودات. لقد افتتح المعرض الدولي للكتاب، وبعيدا عن هذا المعرض الدولي للكتاب الذي تحتضنه الجزائر من سنة إلى أخرى، فقد جرت العادة أن الجرائد اليومية الورقية الإخبارية تولي أهمية كبرى للمشهد الثقافي عند نهاية الأسبوع حيث تخصص العديد من هذه الجرائد ملفات ثقافية دسمة في مواضيع هامة ومتنوعة. غير أن الجريدة الإخبارية الأولى في الجزائر لم تنشر شيئا عن الحدث الثقافي الأكبر المتمثل في المعرض الدولي للكتاب، بل إن الجريدة لم يوجد بها أي خبر ثقافي ولا أية صفحة ثقافية من مجموع صفحاتها التي كان نصفها صفحات إشهارية، بل إن الجريدة تكون قد ضحت بالصفحة الثقافية في سبيل الصفحات الإشهارية التي تشكل المورد المالي الأكبر للجرائد اليومية. ويصبح من المفارقات العجيبة، أن تطالعنا الجريدة في ذلك العدد الذي لم تتحدث فيه عن المعرض الدولي للكتاب، بتصريح سياسي في أهم صفحاتها الإخبارية لأحد رؤساء الأحزاب السياسية التي ما انفكت تصفها بالمجهرية حيث راح يهدد ويتوعد وزارة الداخلية بإعادة رخصة اعتماد الحزب إلى مصالحها المعنية بسبب ما يعانيه من السلطة كمال يقول أو كما كتبت الجريدة من قمع وتضييق على حرية الرأي والتعبير. وعلى الرغم من أن مثل هذه الواقعة لا تشكل أية قيمة من القيم الإخبارية التي تحول الحدث إلى خبر يستحق النشر ويتصدر أو يتوسط الصفحات الإخبارية، فإن الجريدة ما كان لها أن تفعل ذلك لو لم يكن رئيس الحزب المجهري صاحب أسهم في الشركة التجارية التي تمتلك تلك الجريدة الإخبارية. وعلى العكس من ذلك، فإن رئيس الحزب يكون قد صنع الحدث لو أنه بالفعل قد أعاد وصل الاعتماد إلى مصالح إلى وزارة الداخلية، ليكون بذلك أول حزب سياسي يطبق على نفسه بنفسه الحل الإرادي وليس الحل الإداري. ويصبح من المهنية ومن الاحترافية أن يتصدر مثل هذا الخبر واجهة الجريدة والصفحات الإخبارية الأولى، بل إن الصفحات الثقافية تكون أولى من غيرها بالموضوع. ولكن لسوء الحظ أو لحسن الحظ فقد اختفت الأخبار والصفحات الثقافية من الجريدة في ذلك اليوم العظيم. ولعلّه إذا كان شر البلية ما يضحك أو ما يبكي أن رئيس الحزب الذي انتقل من النشاط الثقافي إلى النشاط السياسي أو الحزبي قد منعته الإدارة المحلية من إقامة نشاط ثقافي وليس من نشاط سياسي حيث كان الأمر يتعلق بمحاضرة حول نتائج برنامج ثورة أول نوفمبر بعد خمسين سنة من الاستقلال. إن الصحافة وما أدراك ما الصحافة قد أصبحت تقمع الحرية وتصادر الرأي ثم تتهم السلطة بالقمع! ولذلك فإن مثل هذا القمع أو التضييق على حرية الرأي والتعبير الذي يشكو منه رئيس الحزب ضد السلطة أو الإدارة هو القمع والتضييق نفسه الذي تمارسه الجريدة وغيرها من الجرائد الإخبارية الأخرى على حرية الرأي الآخر والتعبير الحرّ ضد العديد من رجال السياسة والإعلام والثقافة والفكر والأدب والإبداع. لم يكن يجدر بصاحب الحزب أن يعيد وصل اعتماد حزبه إلى مصالح وزارة الداخلية، ولكن قد كان يجدر بصاحب الجريدة أن يعيد وصل اعتماد الجريدة إلى مصالح وزارة الإعلام أو الاتصال أو إلى سلطة ضبط الصحافة المكتوبة قبل أن تطرق الجريدة الورقية أبواب سلطة الضبط السمعي البصري لتلتحق بقافلة الفضائيات التلفزيونية الورقية قبل أن يصدر القانون المتعلق بالنشاط السمعي البصري، بل قبل أن يصدر القانون العضوي المتعلق بالإعلام في الجريدة الرسمية، وهو القانون الذي تمردت عليه الجرائد الورقية قبل أن تتحول إلى قنوات تلفزيونية تكون هي الأخرى قد تمردت على القانون المتعلق بالنشاط السمعي البصري قبل أن يصدر.