لم أستطع كمناضل بسيط أن أفهم ما يحدث داخل جبهة التحرير الوطني، وهو الحزب الذي أيد بقوة الوئام المدني والتسامح والتآخي والمصالحة الوطنية ، وعارض بشدة اللجوء إلى العنف في النشاط السياسي. ولم أفهم مطالب البعض من خلال تصريحات صحفية فشل أصحابها في طرحها بشكل واضح ولم أفهم الدواعي التي أدت إلى تبني مثل هذا السلوك عشية استحقاقات سياسية هامة وفي الوقت الذي يقدم فيه الوزير الأول بيان السياسة العامة للحكومة في البرلمان. ولم يفهم الرأي العام عما يتحدث عنه "التصحيحيون" الجدد وما أسباب الصراعات الشخصية وظهور "الحركات التصحيحية" بين الفترة والأخرى، وهي العملية التي يبدو أنها تحولت إلى عادة وتقليد وأنها ستتكرر بهذا الحزب كلما انزعجت مجموعة من هفوات أو ثغرات أو ظهرت مؤشرات تهدد منافع خاصة ومصالح شخصية. فإذا كانت المشكلة هي قائمة ال 40 أو 50 عضوا في اللجنة المركزية المنبثقة من المؤتمر التاسع الأخير والتي يقول بشأنها "التصحيحيون الجدد" أنها رفضت من قبل وزارة الداخلية أو أنها غير مقبولة لديهم، فلماذا لا ينشر المعارضون لها هذه القائمة مع تبيان رأي وزارة الداخلية بخصوصها ؟ وفي المقابل، لماذا لا ينشر السيد بلخادم اشعار وزارة الداخلية بأن نتائج المؤتمر التاسع سليمة ومطابقة للوائح ولقوانين الحزب؟ أ ما بشأن الصعوبات التي يواجهها الحزب لتنصيب هياكله القاعدية، فالأمر هذا مطروح منذ المؤتمر الثامن الجامع وليس من مسؤولية أحد ولا من مسؤولية الأمين العام في استعمال هذا الطرف أو ذاك "للهراوات" وفي بعض الأحيان للسلاح والسيوف حفاظا على المواقع أو للحصول على مقاعد يجني من ورائها "الفائز" الكثير من المنافع. إن حل مثل هذه المشاكل يقتضي تضافر جهود الجميع وينبغي أن يكون هؤلاء الوزراء والنواب أول من يعرف أن الهياكل القاعدية للحزب تواجه صعوبات جمة منذ أمد بعيد، وأن التحديات الآن لا تكمن في توجيه الاتهامات بل في توحيد الصفوف واللجوء إلى الحوار داخل هياكل الحزب ولا عيب أن يتنازل طرف لطرف بما يسمح للحزب أن يحافظ على قوته ومكانته وتماسكه. إن الهروب إلى الأمام وتبادل التهم من خلال منافذ الإعلام لا يشكلان الحل المناسب بل سيؤديان إلى تفاقم الأوضاع وتشتيت قدرات الحزب. فليعلم كل طرف أن الضعفاء هم الذين يلجأون إلى أسلوب الضجيج والضوضاء لتحقيق طموحات شخصية. وما دام البعض من الغاضبين مجاهدين وثوريين وأعضاء في اللجنة المركزية ووزراء سابقين، فإنني أطالبهم بتفضيل اللجوء إلى الحوار المباشر مع السيد الأمين العام ومع أعضاء المكتب السياسي عشية الذكرى ال56 لإتدلاع الثورة التحريرية المجيدة لتناول الأوضاع داخل الحزب وإيجاد الحلول المناسبة لكافة المشاكل المطروحة. فالأسئلة الكثيرة التي يطرحها المناضل النزيه عندما يقرأ هذه التصريحات أو يطلع على تلك المواقف، تستحق إجابات واضحة لا يمكن الحصول عليها سوى في جو هادئ ومسئول داخل الأطر القانونية للحزب، من دون أي تحد علني لسلطة الأمين العام أو التلويح باجراءات تأديبية أهمية مع الالتزام بالتحفظ وبمبدأ التضامن الحكومي. ولا بد أن نشير في الأخير أنه لا يعقل أخلاقيا وسياسيا أن يتراشق مسؤولون كبار ينتمون لنفس الحزب بالاتهامات والاتهامات المضادة عندما يباشر المجلس الشعبي الوطني في مناقشة بيان السياسة العامة الذي عرضه الوزير الأول، وعشية الاستحقاقات السياسية لسنتي 2012 و 2014 والاحتفال بذكرى غالية على جبهة التحرير الوطني. فلا بد للحوار أن ينطلق بسرعة لتفويت الفرصة على المتربصين قبل فوات الأوان وقبل ذلك لا بد من أن نبعد "الشكارة" و"المصالح الشخصية" عن قيم النضال النزيه وأن يصمت كل طرف ليركز جهوده لدراسة انشغالات المجموعة "الغاضبة" لإيجاد الحلول لها في جو من الهدوء والاحترام المتبادل. وبذلك سيسطر هؤلاء المسؤولون طريقا ومنهجا للمناضلين الشباب الذين يرغبون في الالتحاق بالحزب العتيد. أرجو أن يسمع الجميع هذا النداء حتى نبعد الحزب عن خطر الزوال أو عن خطر استقطابه للعاهات الأخلاقية والاجتماعية فقط. والله من وراء القصد. تحيا الجزائر والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار.