يشهد الإعلام العربي في الآونة الأخيرة حراكا كبيرا، بالتوازي مع الحراك السياسي والشعبي المشهود هنا وهناك، وتبدو الخارطة الإعلامية العربية مقبلة على تغيرات جذرية قد تُقطف خلاله رؤوس إعلامية كبيرة، وتُزرع بدلا منها رؤوس أصغر أو أكبر، وما يجري في مصر منذ فترة من تجاذبات إعلامية إلا صورة مصغرة لما يجري في مطبخ الإعلام العربي، حيث تراجع الإعلاميون المقربون من النظام السابق إلى الصفوف الخلفية، وحدث ما يشبه الانقلاب الإعلامي في القنوات الفضائية والإذاعات والصحف المصرية، حتى أن صحيفة مثل الأهرام الحكومية مثلا، التي قضت ثلاثة عقود في تبجيل مبارك وآله، انقلبت على عقبيها وصارت لا تتوانى في نشر فضائح آل مبارك! ومثل غالبية القطاعات والميادين الأخرى، لا يعكس ظاهر الأمور في الإعلام العربي الحقيقة، بل إن أكثر الأمور على غير ما تبدو عليه في الواقع، فبعض القنوات الفضائية التي ترفع شعارات الصدق والموضوعية والرأي والرأي الآخر، وتتمظهر بمظهر الفضائيات المدافعة عن الأمة الإسلامية، تحولت إلى معاول لهدم هذه الأمة، وضرب بنيانها، ولا غرابة أن تفتح أبوابها بعدئذ للصهاينة والملحدين وكبار أعداء الأمة والدين·· وبسبب ذلك كله، جاء إطلاق قناة الميادين الفضائية التي قالت أنها تتبنى خط الممانعة والمقاومة ومناهضة المشروع الصهيو أمريكي متأخرا كثيرا في تقديرنا، حيث ظلت الساحة الإعلامية العربية تفتقد لقناة تلفزيونية مستقلة، قوية إعلاميا وماليا، وتتبنى خط الممانعة ومقاومة المشروع الصليبي المتصهين، وللأسف الشديد لم يتمكن بن جدو ومن معه من إطلاق قناتهم هاته إلا بعد خراب روما·· حيث نجحت قنوات التضليل الذكي والتزييف المغلف بالحقيقة في تخريب بعض المجتمعات العربية، بطريقة أو أخرى، وأدركت بعض أهدافها في تمزيق وحدة الصف العربي من الداخل، على نحو يصعب معه على قناة الميادين ترميم ما زلزلته الجزيرة وأخواتها· ولكن تأخر إطلاق هذه القناة لا يعني أنها بلا جدوى، أو أن لا أهمية إعلامية لها، بل بالعكس، قد يساهم هذا المشروع الذي نتمنى له كل التوفيق، في تحقيق التوازن المنشود بين إعلام الدعاية وإعلام الحقيقة، ويتمكن من دفع هواة الكذب الفضائي إلى إنقاص حجم أكاذيبهم التي يصدقها الآن كثيرون، وقد لا تجد من يصدقها مستقبلا·· وأن تأتي متأخرا·· خير من أن لا تأتي أبدا··