تقود الانتقادات الفرنسية لمبادرة نواب الأفلان في المجلس الشعبي الوطني لسن قانون يجرم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، إلى التساؤل فيما إذا كانت المبادرة الفرنسية التي سبقتها ب‘د باعتبارها مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين. يكاد يكون هناك إجماع على أن مسار العلاقات الجزائرية الفرنسية لا يخلو من التوتر على مر السنوات، وهو التوتر الذي يربطه المتتبعون للعلاقات الثنائية بالإرث التاريخي المشترك الذي لا يمكن لباريس أن تتنصل منه كما لم يكن ممكنا للجزائر أن تقفز عليه أو أن تتغاضى عنه، فمطلبي الاعتراف والاعتذار عن الماضي الاستعماري الحافل بأبشع أنواع الانتهاكات اللذين ترفعهما الجزائر وتتمسك بهما مطلبين مشروعين. ومن وجهة نظر كثيرين في الجزائر كما في باريس فإن قضايا التاريخ والذاكرة المشتركة هي التي تحرك الإرادة السياسية لدى الطرفين، فبناء علاقات متميزة بين شعبين يجمعهما تاريخ مشترك لابد أن تقوم على أسس متينة، لأن كل أزمة تعصف بالعلاقات بين الجزائر وباريس إلا وكان للشأن التاريخي ضلع فيها، وأحسن مثال على ذلك معاهدة الصداقة بين الجزائروفرنسا التي لم تر النور لسبب بسيط وهو اختلاف الطرفين على القضايا ذات الصلة بالماضي الاستعماري، تماما كما أحدث قانون العار الذي أقره البرلمان الفرنسي في 23 فيفري 2005 شرخا في العلاقات الثنائية بعد أن تجرأت فرنسا الرسمية على تمجيد ممارسات فرنسا الاستعمارية في وقت كانت تنتظر الجزائر اعتذارا عن هذا الماضي المخزي. وبينما تطلع الجزائريون إلى اعتذار فرنسي بمناسبة الزيارة الأولى للرئيس نيكولا ساركوزي إلى الجزائر، فإنه اكتفى بالدعوة إلى تجاوز الماضي والتطلع إلى المستقبل بما يخدم مصلحة الشعبين، وكان ساركوزي أول من خرق هذه النصيحة وقفز عليها عندما قررت باريس أن تحذو حذو واشنطن وتتجرأ على إدراج الجزائر ضمن 7 دول تمثل خطرا إرهابيا يفترض خضوع رعاياها إلى تفتيش دقيق في المطارات، والمقصود بتفتيش دقيق هو تفتيش مهين لا يحترم قوانين حقوق الإنسان، ويصل إلى استعمال الكلاب المدربة وأجهزة السكانير التي تكشف حتى على خصوصيات المسافر. إجراءات لا يخضع لها المسافر المغربي أو التونسي أو المصري أو السعودي أو حتى العراقي والموريتاني بينما يخضع لها المسافر الجزائري، الإجراء فسره كثيرون على أنه استفزاز للجزائر ورد فرنسي على الإجراءات السيادية التي بادرت بها الحكومة في قانون المالية التكميلي لسنة 2009 لحماية اقتصادها الوطني، وهي الإجراءات التي منحت فرنسا لنفسها الحق في انتقادها والتدخل في الشأن الداخلي للجزائر، لسبب بسيط أنها لا تريد أن تنسى أن الجزائر لم تعد مستعمرة فرنسية، تماما كما سمح بعض الوزراء الفرنسيين في الأيام الأخيرة لأنفسهم بالتدخل في عمل المؤسسة التشريعية الوطنية وانتقاد مبادرة نواب في الغرفة البرلمانية الأولى لتجريم الاستعمار بنص قانوني. وإلى أن تقرر فرنسا الرسمية تحمل مسؤولياتها كاملة اتجاه مخلفات فرنسا الاستعمارية باعتراف عن ما لحق الشعب الجزائري طيلة عقود من الزمن من حيف وظلم وتعتذر عنه، فإن العلاقات بين الطرفين ستظل رهينة هذا الماضي.