يبني كل من الزوج والزوجة آمالا كبيرة في بداية طريقهما، فكلاهما يرتبط بالآخر رغبة منه في إنشاء أسرة وإنجاب أطفال يحملون اسمه ويملأون بيتهم بهجة وفرحا، غير أن بعضهم يواجهون أصعب امتحان قد تمر به علاقتهما الزوجية ألا وهو العقم، لكن هناك من الأزواج من لا يترك فرصة لهذه المشكلة لأن تقف في وجه سعادتهما سواء بجهودهما الخاصة، أو بمساعدة الأهل والأقارب التي تصل في بعض الأحيان إلى حد الإيثار والتضحية بفلذة أكبادهم لصالح هؤلاء. تعرف العائلات الجزائرية بتآزرها وتماسكها الذي يفوق كل التصورات خاصة في أوقات الضيق والمحن، ولعل عقم أحد أفرادها وعدم قدرته على الإنجاب هو أكبر محنة قد تعاني منها العائلة، غير أن البعض وجد الحل ليواسي الأزواج التعساء في محنتهم، فبعد أن ييأسوا من أمل الإنجاب يهب لهم أحد أفراد أسرتهم ابنه، الذي عادة ما يكون حديث الولادة ليعوض لهم عن النقص الذي ينجم عن العقم. كثيرة هي الحكايات والقصص في مجتمعنا عن هؤلاء الأزواج الذين يؤثرون على أنفسهم، ويهبون أبناءهم لأحد أفراد أسرتهم ليخففوا عنهم بعض الآلام النفسية الذي تسبب فيه عقم أحدهم. “نجية” هي إحدى السيدات التي طالت مدة علاجها فقدت الأمل تماما في الحمل، لتقوم أختها بمفاجأتها بأجمل هدية يمكن أن تتلقاها كما قالت لنا “عندما علمت أن أختي حامل كنت سعيدة لأجلها، لكن عندما أخبرتني أنها ستمنحني طفلها كدت أفقد توازني من الخبر السار”. وعندما تحدثنا مع أختها قالت لنا بكل تواضع “لقد أنعم الله عليّ بنعمة الإنجاب، فكانت ستكون أنانية مني لو تركت أختي تعاني من مرارة العقم دون أن أساعدها”. إسعاد الآخرين أكبر من مرارة الفراق رغم أن الأولياء الذين يقومون بهبة أبنائهم للأقارب يعانون من غياب أطفالهم عن البيت ويقهرون أحيانا من عدم تواجدهم حولهم ومع إخوتهم، إلا أن الكثير منهم يواسون أنفسهم بكونهم أدخلوا الفرحة على بيت تعيس. السيدة كريمة التي وهبت ابنها الرضيع لأخت زوجها تحكي لنا عن معاناتها في الأيام الأولى قائلة:”لم يكن الأمر هينا عليّ إطلاقا، رغم أن لي 3 أطفال إلا أن فراق ابني وهو في مهده أثّر في كثيرا، لكن مع مرور الوقت أيّقنت أن ما قمت به لوجه الله يستدعي مني أن أسعد ولا أحزن”. كما أن السيدة هجيرة لا تزال تعاني من نفس الآلام مع أن القصة مر عليها 10 سنوات فهي تقول: “أعاني يوميا من مرارة الفراق، ومع كل مرة يناديني ابني “خالتو” يتمزّق قلبي ألما” ثم توقفت وقالت “الحمد لله ما فعلته كان واجبا، فسعادة أختي تعني لي الدنيا وما فيها، وأنا متيقنة أن ابني في أيد أمينة”. الأطفال هم المعنيون بالدرجة الأولى مع أن الأولياء قد يتضررون من هبة أبنائهم، إلا أن الأطفال هم المعنيون بالأمر بالدرجة الأولى، لأن نشأتهم في محيط غريب عنهم قد يسبّب لهم الكثير من المشاكل، وعن ذلك تروي لنا أمينة قائلة “لم يكن سهلا عليّ تقبّل الأمر، فكنت أغار جدا من إخوتي الذين ترعرعوا مع والدي، وفي نفس الوقت أحب أهلي الحاليين وأشفق جدا على حالهم”. أما نبيل الذي كفلته عمته فيقول “عندما كنت صغيرا لم أكن أعي الأمر، ومع مرور الوقت أدركت مدى صعوبة الأمر، فكل الناس لهم أم واحدة وأنا لي أمّان وكان عليّ طيلة الوقت مراعاة الاثنتين ومعاملتهما على حد سواء دون تفرقة لأن ذلك سيؤثر على نفسيتهما”. الأخصائيون النفسيون “نشأة الطفل بعيدا عن أهله يؤثر في نفسيته مستقبلا” مع أن الأولياء يقصدون خيرا من هبة أبنائهم لأقاربهم، فهم يعمدون لإدخال السعادة على قلوب المحرومين من هبة الإنجاب متخلين بذلك عن فلذة الأكباد، الأمر الذي أثار قلق العديد من الأخصائيين النفسيين الذين يرون في نشأة الطفل مع غير أهله، وبعيدا عن إخوته قد يسبب له في معظم الأحيان اضطرابات نفسية كثيرة تتمثل على حد تقديرهم في إحساسه بالغربة عن محيطه الأسري، وشعوره بعدم الانتماء، وهذا ما أكدته الدكتورة نسيمة.م قائلة:”إن مناداة الطفل لأمه الحقيقية خالتي أو عمتي مشكل في حد ذاته، فذلك قد يسبب له اضطرابات نفسية كثيرة”، كما أضافت :”لا يجب أن ننسى نفسية الأهل الحقيقيين الذين يتضررون كثيرا من هذا الوضع، فالبعد عن الأبناء خاصة في مرحلة الطفولة صعب جدا” فقهاء الدين “الإيثار أجره عظيم عند الله” لا يجد علماء الدين حرجا في مثل هذه الهبات، بل بالعكس هم يؤيدون ذلك معتبرين أن هؤلاء الآباء من الذين قال فيه المولى عز وجل:”والذين يؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون” سورة الحشر. وفي ذات السياق، يؤكد الشيخ شمس الدين بوروبي “لا مانع في الأمر أبدا ما دام ذلك لا يصل إلى حد التبني، واختلاط الأنساب والأصول”. وعن أجر هؤلاء يقول الشيخ:”الأجر عند الله عظيم إن شاء الله، خاصة أن هؤلاء قد أصابوا أكثر من حسنة بالإيثار، وإسعاد الآخرين، وكذا إنقاذ بيت من الطلاق الذي كثيرا ما ينجم عن حالات العقم، وإن كان الذي وهبوا له من العائلة فهم بذلك قد حصلوا كذلك على ثواب صلة الأرحام”.