تفجرت الثورة العارمة عبر وسائط التواصل الاجتماعي، ولا أتصوره بالمناسبة غضبا مغربيا فقط، بل العديد من المصريين والعرب عندما استمعوا إلى تلك الانتهاكات العشوائية التي أعلنتها المذيعة في إحدى الفضائيات الخاصة المصرية ضد المغرب، اشتعلوا غضبا. جرى الاعتذار بعدها بساعات، وظلت المذيعة تؤكد حبها لكل ما هو مغربي، وأنها لم تقصد أبدا إهانة أحد، وأنها زلة لسان، هل يكفي فقط الاعتذار عن تلك الجريمة التي تجاوزت كل الحدود؟ فهي لا تنتقد عملا فنيا ولا موقفا سياسيا، ولكن شعبا له كل المحبة والتقدير والاعتزاز في قلوب كل شعوب العالم، فما بالكم بالشعب العربي والمصريين جميعا سواء من كان منهم قد زار المغرب، مثل كاتب هذه السطور، أو يحتفظ في ذاكرته الجمعية بمحبة خاصة لهذا الشعب الذي يفيض بالعراقة والحضارة والرقي. لم تتخل يوما المملكة المغربية عن مواقفها الإيجابية تجاه القضايا العربية، ولا عن حقوق الشعب الفلسطيني. لا أدري أساسا ما الذي يمنح الآن بعض مقدمي برامج ”التوك شو” الحق في أن ينظر إلى الكاميرا متنمرا، ويبدأ في توجيه الانتقادات إلى الأشخاص الذين يختلف معهم، وينتقل ومن دون حتى أن يلتقط أنفاسه إلى البلدان الشقيقة وغير الشقيقة، ويوسعها هجوما بهذا الشكل. لقد سبق لإحدى المذيعات في قناة أخرى أن تطاولت على سفير إثيوبيا في القاهرة، في وقت تحاول فيه مصر رأب الصدع في عمقها الأفريقي الجنوبي، بينما المذيعة تعتقد أنها في خناقة في حارة شعبية، المطلوب هو توجيه ضربات تحت الحزام وفرش الملاية. هناك ولا شك جهل بأبجديات الإعلام، العديد من أساسيات المهنة يجري اختراقه، مقدم البرامج صار يراهن على نجوميته، ويعتقد أن الطريق لتحقيقها هو استخدام الصوت العالي، الذي يصل إلى حدود الصراخ، وهكذا صار أغلبهم يؤدي ”مونولوغا طويلا” يستضيف فيه نفسه، ولصالح نفسه، وذلك بدلا من تقديم ”ديالوغ” يجريه مع الضيف، المذيع الذي يتحدث باستفاضة عن كرة القدم وهزيمة الأهلي أو الزمالك، لا يكتفي بهذا القدر بل ينتقل مباشرة إلى نقد مسلسل عادل إمام ”صاحب السعادة”، وفي المسافة بين كرة القدم ومسلسلات رمضان، وحتى تصبح المائدة حافلة بما لذ وطاب، يعرج أيضا على الشأن السياسي ويدلي بدلوه في المستجدات الاستراتيجية، ما معلومات بعض المذيعين ولا أقول قراءاتهم؟ لا شيء، هم فقط يحددون موقفهم طبقا لما يعتقدون أن المحطة الفضائية التي يعملون لديها تتبناه. عانينا في السنوات الأخيرة كثيرا من هذا الانفلات، مثلا قبل نحو خمس سنوات بعد معركة مباراة ”أم درمان” في كرة القدم بين مصر والجزائر، اكتشفنا أن الإعلام يعتقد أن هناك حربا بين البلدين الشقيقين، وأن اللحظة قد حانت للاقتحام، وهكذا لم يكتفِ المذيعون فقط بالوقوف عند حدود التراشق اللفظي، بل وجدنا عددا من النجوم وبسذاجة أعادوا الجوائز التي حصلوا عليها في المهرجانات إلى السفارة الجزائرية في القاهرة، ولم يتوقف قطار المزايدات، إلا عندما ذهب الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك إلى الجزائر، والتقى الرئيس بوتفليقة، في هذه اللحظة فقط عادوا يهتفون بحب الجزائر. يعيش بعض الإعلاميين حالة من التخبط، وصاروا يلعبون بالكبريت، لإثارة الفتنة، ويشعل النيران بين الأشقاء، عدد من مقدمي البرامج في حاجة إلى الانتباه جيدا لما يقولون. إنها جريمة لا يكفي فيها الاعتذار، الجريمة ينبغي أن يعقبها عقاب، حتى لا تتكرر!