التهاب الكبد الفيروسي و السيدا يهددان مريضات و ممرضات مصلحة الولادة الالتهابات الجراحية، التهاب الكبد الفيروسي، السيدا و أمراض أخرى خطيرة هي مخاطر محدقة تهدد عددا كبيرا من نساء مصلحة الولادة بمستشفى ابن باديس الجامعي بقسنطينة من الطاقم الطبي و المريضات اللائي يرقدن فوق شاريوهات تتحول إلى أسرة مثنى مثنى. روبورتاج :إيمان زياري هي معطيات مخيفة اقترنت بأرقام فلكية مقارنة بحجم قسم خصص للولادة بالمستشفى الجامعي ابن باديس بقسنطينة، فقسم النقاهة ب24 سريرا ترقد فيه أزيد من 46 امرأة من كل ولايات الشرق الجزائري و حتى الجنوب، تتشارك في أغلب الحالات امرأتان في سرير واحد، علما بأن الأوضاع كثيرا ما تتطور لتسجيل ثلاث نسوة في سرير واحد. إنه ضغط رهيب في بناية مخربة، عجز في الطاقم الطبي و الشبه طبي، إدارة تشتكي، و تلاصق يهدد النزيلات و الطاقم الطبي بحمل أمراض خطيرة. صور تحصلنا عليها من بعض عائلات مريضات تأسفوا لواقع وصفوه بالكارثي و أرادوا الكشف عنه، كنا في بداية الأمر نعتقد بأنها نوع من المبالغة و بأنها صور مفبركة، لكن ما وقفنا عليه كان أفظع من تلك الصور التي لم تظهر سوى القليل من الكثير لما لمسناه و عشنا في أجوائه ليوم كامل تقريبا، في جولة لنا بين أرجاء مصلحة الولادة بالمستشفى الجامعي ابن باديس، وضع مخيف ، و الكل يدق ناقوس الخطر لوضع حد لما يحدث في قسم ظروف العمل فيه مزرية، و الكل داخله مهدد بالإصابة بالتهاب الكبد الفيروسي أو السيدا أو أمراض أخرى. مصلحة مخربة و طاقم طبي و شبه طبي استنفد طاقته هي بناية ضخمة تتربع على مساحة كبيرة، و تبدو من شكلها الخارجي بأنها بناية جيدة من الداخل أيضا بالرغم من الحجم الكبير للنفايات الطبية التي تغطي مساحة واسعة من فنائها الخلفي الذي غالبا ما يبعث روائح كريهة إلى المصلحة و يتسبب في بعض الأمراض. هذا ما يبدو لمن يشاهد قسم الولادة بمستشفى ابن باديس من الخارج، لكن هذه الصورة لن تبقى نفسها عند دخول أي كان لهذا المكان، تناقض كبير بين الداخل و الخارج، فبمجرد دخول الباب الرئيسية للمصلحة، يندهش المرء للوهلة الأولى من مكان الاستقبال الذي هو أشبه بمكان مهجور ركنت في إحدى زواياه شاريوهات لنقل المريضات إلى أحد أقسام المصلحة. لم نكن نعتقد بأن الوضع سيكون على هذا الحال، فرغم بعض الخزف الذي زين الدرج منذ سنوات بدأ في التآكل و تعرض للتخريب في أجزاء كثيرة، إلا أن ولوج الأقسام يحدث الصدمة، أبواب قديمة و مخربة و أغلبها تآكل خشبه بسبب قدمه، جدران مهدمة، أسرة تآكلت بفعل الصدأ، كراسي مكسرة إن وجدت و الجميع محروم منها بسبب ندرة حادة تضطر الجميع بما فيهم الزوار و الممرضات للوقوف طوال فترات العمل أو التناوب على كرسي واحد بين الجميع. فحتى المطبخ كان خاليا من أي شئ يوحي بأنه مطبخ ما عدا حوض الغسيل، مرحاض واحد تنازل بسببه العمال لفائدة المريضات بسبب وضعهن، و فضلوا خلق مرحاض من نوع خاص لكل واحد، حشرات في كل مكان، و كل وسائل العمل غير صالحة للاستعمال. و من بين ما يلفت الانتباه في هذه المصلحة، هو قلة عدد الموظفين خاصة بالنسبة للممرضات مقارنة بعدد المريضات، فعلى مستوى قسم النقاهة لمرحلة ما بعد الولادة القيصرية، فعدد الممرضات ينحصر في 7 يقمن بخدمة حوالي 50 مريضة يوميا، تغيير للضمادات، معالجة الجروح، الحقن، قياس ضغط الدم و مهام أخرى تقدم في ظروف جد كارثية بالنسبة للممرضة و المريضة على حد سواء. تمكنا من دخول إحدى القاعات خلال عملية تنظيف جروح من خضعن لولادة قيصرية، في بادئ الأمر صمدنا قليلا، لكن سرعان ما خارت قوانا و أصبحنا عاجزين عن المكوث داخل هذه الغرفة التي كادت أن تنعدم بها التهوئة بارتفاع درجة الحرارة بشكل كبير ما قد يتسبب في التهاب جرح الولادة، كانت الممرضات تحاولن الإسراع في العمل للتمكن من علاج كافة المريضات، و الضغط اختزل مدة العملية من نصف ساعة إلى حوالي 10 دقائق. مريضتان في سرير واحد و شاريوهات تحول لأسرة مشهد يشبه تلك التي نراها أثناء الحروب أو في حالات الطوارئ، هو تقاسم امرأتين لسرير واحد داخل مصلحة ما بعد الولادة القيصرية أو النقاهة، ضغط كبير و غرفة ب6 أسرة ترقد فيها 12 امرأة كلهن خضعن لولادة قيصرية و بقينا من أجل متابعة وضعهن الصحي و معالجة الجروح، غير أن كل المعطيات توحي بأن الجرح سيتحول إلى جروح و من دخلت سليمة، من الوارد جدا أن تخرج من المستشفى و هي حاملة لأمراض خطيرة، فمن غير المنطقي أن تجرى 5 آلاف عملية قيصرية سنويا في مصلحة خصصت لإجراء 2000 ولادة من هذا النوع، فغالبا ما تجرى 20 ولادة قيصرية كل ليلة، و أكثر من 60 ولادة عادية في يوم واحد. الاكتظاظ لم يقتصر عند هذا الحد، بل تطور إلى استغلال الشاريوهات التي تستعمل في الأصل لنقل المرضى من مصلحة إلى أخرى، إلى أسرة ترقد فيها النسوة طوال مكوثهن في المستشفى، وضع كارثي تعيشه المصلحة منذ سنوات، ضغط كبير لم يعد الكل قادر على تحمله، الطاقم الطبي كله أعلن استسلامه أمام ظروف جد قاسية و قال بعض من تمكنا من التحدث إليهم، بأنهم يستمرون في العمل لإرضاء ضميرهم المهني و الإنساني فقط. الاكتظاظ أيضا اضطر المسيرون لاستغلال الأروقة لوضع المريضات في انتظار وجود مساحة شاغرة، كل شئ في غير مكانه و ما هو موجود لم يعد كاف منذ سنوات لتغطية طلب يفوق مئات المرات طاقة الاستيعاب و قدرات الموظفين، فحتى الكراسي المتحركة تحولت إلى وسائل نقل لأغراض المرضى و الأدوية من طابق لآخر، وحتى غرف الجراحة الثلاث لم تعد تستوعب كل هذه الأعداد الهائلة. «كلنا مهددون بأمراض خطيرة» «كلنا مهددون بأمراض خطيرة، التهاب الكبد الفيروسي ( HBS+) و حتى السيدا ( HIV+) «، هي عبارة قالتها بعض الممرضات بنبرة حادة و خوف كبير، قلن بأنهن يعملن في إطار المجهول و بأنهن معرضات و المريضات لحمل أمراض خطيرة، خاصة و أن أزيد من 90 بالمائة ممن يخضعن للجراحة تتعرض جروحهن لالتهابات بسبب الظروف المحيطة و رقود اثنين منهن في سرير واحد، قلن بأن مشكل هذه المصلحة عويص و لا يحله إلا العودة إلى العمل بالمقاييس الدولية و حسب طاقتها و طاقتنا نحن أيضا. فخلال شهر ماي فقط و حسب ما تؤكده أرقام دقيقة، أصيبت 32 امرأة بالتهاب على مستوى الجروح، و ما يزيد الخطر هو عدم وجود تحاليل للمريضات قبل الجراحة تثبت عدم حملهن لأمراض خطيرة معدية خاصة لمن يأتين من ولايات خارج قسنطينة، فالأطباء هناك لا يلزموهن بهذه التحاليل حسب ما قال بعض المختصين، و غالبا ما تستدعي حالتهن الحرجة للإسراع في الجراحة و إغفال هذا الجانب. مشروع التهيئة مؤجل و الممرضون يرفضون العمل بهذه المصلحة أكد عدد كبير ممن تحدثنا إليهم بأن قسم الولادة لم يخضع للتهيئة منذ حوالي 30 سنة، و هو ما زاد من تدهور وضع البناية خاصة من الداخل، و أرجعوا السبب إلى الضغط الكبير عليها بالدرجة الأولى، حيث قالوا بأنه بات من المستحيل غلقها من أجل أشغال التهيئة و تحويل المرضى إلى مؤسسات استشفائية أخرى خاصة و أن كل ولايات الشرق الجزائري ترسل من تستعصي عليهن الولادة إلى مستشفى ابن باديس، قبل أن يتوسع المجال إلى بعض الولايات الجنوبية كالوادي و ورقلة. مخلفات مشكل الضغط لم تقف عند هذا الحد، بل تعدته إلى عزوف كل الممرضين و الممرضات عن العمل في هذه المصلحة، فأقدم ممرضة بها لديها خبرة أكثر من 10 سنوات بين غرفها الضيقة المكتظة، و كل الممرضات اللائي يحولن إليها يرفضن ذلك و يطلبن العمل في مصالح أخرى أقل تعبا، و حتى من ترغب في التحويل منها إلى مصلحة أخرى، يقابل طلبها بالرفض كما حدث مع الكثيرات. و قال بعض من تحدثنا إليهم بالمصلحة، بأن مشكل الاكتظاظ يسببه نقص الأطباء المختصين بالمؤسسات الاستشفائية بولايات الشرق الجزائري، حيث أجمعوا على أن هذه الفئة غالبا ما تتوجه للعمل في القطاع الخاص و تكتفي بالمعاينات العادية و تحويل المريضات إلى مستشفى قسنطينة بحجة الكفاءة، حيث دعوا إلى ضرورة متابعة هؤلاء و خلق مصالح موازية في الولايات المجاورة، لأن هذه المصلحة توشك على الانفجار حسب تعبيرهم، خاصة و أن الوضع ذاته منذ سنوات طويلة. لأمين العام للمستشفى الجامعي يؤكد المصلحة تشتغل بنسبة 300 بالمائة و هي ضحية بتذمر كبير، رد على سؤالنا الأمين العام للمستشفى الجامعي بقسنطينة السيد روابحي عبد السلام و قال بأن المؤسسة هي الضحية في كل هذا، فالطاقم الطبي يشتكي منذ سنوات من مشكل الضغط، أهل المرضى غالبا ما يشتكون و يتهمون القائمين عليها بالإهمال و سوء المعاملة، و حتى الإدارة التي لم تتمكن في ظل هذه المعطيات من حل الإشكال تشتكي أيضا و تدعو لإيجاد حل. و قال المسؤول بأن المصلحة و منذ سنوات تعمل خارج المعايير المعمول بها، و بأنها تستغل بنسبة 300 بالمائة، أي 3 أضعاف طاقة استيعابها، و كل هذا يجعل من عملية تهيئتها أمر مستحيل، فمن غير الممكن كما يقول حتى طلاء و لو جزء صغير في جدار لأنه من غير الممكن إخلائها. و أرجع المسؤول السبب في هذا الضغط إلى الإنزال الكبير لنساء الولاياتالشرقية اللائي يشكلن أزيد من 90 بالمائة من نزيلا المصلحة من جهة، و إلى اللامبالاة من طرف المعنيين بالمستشفيات الأخرى المتواجدة بقسنطينة من جهة ثانية، فبمستشفى الخروب مثلا التي يوجد بها حوالي 60 سريرا، فإن عدد المريضات به صفر، و الوضع ذاته بمستشفى البير، و قال بأن الوضع سيستمر على حاله إن لم يتضاعف خلال هذه الأشهر من فصل الصيف التي تتزامن و فترات العطل السنوية و كذا شهر رمضان، و شدد على ضرورة محاسبة كل المتسببين في هذا و على كل المؤسسات تأدية واجبها عوضا عن الاكتفاء بالحضور الشكلي للمؤسسات و توجيه المرضى إلى مستشفى قسنطينة. أجمع عدد كبير من المختصين و الموظفين بمصلحة الولادة بالمستشفى الجامعي بقسنطينة على أن كل النساء اللائي يخضعن للولادة القيصرية بهذه المصلحة معرضات لحمل أمراض خطيرة مثل السيدا، التهاب الكبد الفيروسي و أمراض أخرى حتى الطاقم الطبي عرضة للإصابة بها.