عطّاف يستقبل عزيزي    حاجيات المواطن أولوية الأولويات    اختتام زيارة التميز التكنولوجي في الصين    حشيشي يتباحث مع وفد عن شركة عُمانية    هيئة بوغالي تتضامن مع العراق    اعتداء مخزني على صحفي صحراوي    إعادة انتخاب دنيا حجّاب    ندوة بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة    توقيف مُشعوذ إلكتروني    الشرطة توعّي من أخطار الغاز    المنظومة القضائية محصّنة بثقة الشعب    نتنياهو وغالانت في مواجهة سيف القضاء الدولي    مناشدة لحماية النساء الصحراويات من قمع الاحتلال المغربي    الجزائر تدعو إلى فرض عقوبات رادعة من قبل مجلس الأمن    الرئيس تبون رفع سقف الطموحات عاليا لصالح المواطن    آفاق واعدة للتعاون الاقتصادي وشراكة استراتيجية فريدة قاريا    رسميا.. رفع المنحة الدراسية لطلبة العلوم الطبية    الجزائر تسير بخطوات ثابتة لتجويد التعليم    دروس الدعم "تجارة" تستنزف جيوب العائلات    اتفاقيات بالجملة دعما لحاملي المشاريع    العميد يتحدى "الكاف" في اختبار كبير    استذكار أميرة الطرب العربي وردة الجزائرية    التجريدي تخصّصي والألوان عشقي    اللجنة الوطنية الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي تشارك في الندوة ال48 لل"إيكوكو" بلشبونة    منظمة الصحة العالمية:الوضع في مستشفى كمال عدوان بغزة مأساوي    اكتشفوا أحدث الابتكارات في عدة مجالات.. اختتام "زيارة التميز التكنولوجي" في الصين لتعزيز مهارات 20 طالبا    الرئيس الاول للمحكمة العليا: الجميع مطالب بالتصدي لكل ما من شأنه الاستهانة بقوانين الجمهورية    المجمع العمومي لإنجاز السكك الحديدية : رفع تحدي إنجاز المشاريع الكبرى في آجالها    انخراط كل الوزارات والهيئات في تنفيذ برنامج تطوير الطاقات المتجددة    إبراز جهود الجزائر في مكافحة العنف ضد المرأة    مخرجات اجتماع مجلس الوزراء : رئيس الجمهورية يريد تسريع تجسيد الوعود الانتخابية والتكفل بحاجيات المواطن    دراجات/الاتحاد العربي: الاتحادية الجزائرية تفوز بدرع التفوق 2023    المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر بورقلة: تسليط الضوء على أدب الطفل والتحديات الرقمية الراهنة    وفد طبي إيطالي في الجزائر لإجراء عمليات جراحية قلبية معقدة للاطفال    تواصل اجتماعات الدورة ال70 للجمعية البرلمانية لمنظمة حلف شمال الأطلسي بمونتريال    كأس الكونفدرالية الإفريقية: شباب قسنطينة يشد الرحال نحو تونس لمواجهة النادي الصفاقسي    مجلة "رسالة المسجد" تنجح في تحقيق معايير اعتماد معامل التأثير والاستشهادات المرجعية العربي    كرة اليد/بطولة افريقيا للأمم-2024 /سيدات: المنتخب الوطني بكينشاسا لإعادة الاعتبار للكرة النسوية    الدورة الخامسة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي : مشروع "غزة، من المسافة صفر" يفتك ثلاث جوائز    الحفل الاستذكاري لأميرة الطرب العربي : فنانون جزائريون يطربون الجمهور بأجمل ما غنّت وردة الجزائرية    الجَزَائِر العَاشقة لأَرضِ فِلسَطِين المُباركَة    عين الدفلى: اطلاق حملة تحسيسية حول مخاطر الحمولة الزائدة لمركبات نقل البضائع    الوادي: انتقاء عشرة أعمال للمشاركة في المسابقة الوطنية الجامعية للتنشيط على الركح    "تسيير الارشيف في قطاع الصحة والتحول الرقمي" محور أشغال ملتقى بالجزائر العاصمة    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر    وفاق سطيف يرتقي إلى المركز الخامس    مازة يسجل سادس أهدافه مع هيرتا برلين    وداع تاريخي للراحل رشيد مخلوفي في سانت إيتيان    هلاك شخص ومصابان في حادثي مرور    باكستان والجزائر تتألقان    سقوط طفل من الطابق الرابع لعمارة        قرعة استثنائية للحج    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لقاء مع أساتذة كلية الآداب بجامعة اسطنبول.. اللغة العربية في بلاد ''أتاتورك''
نشر في الجزائر نيوز يوم 23 - 01 - 2012


تركيا العثمانية كانت على دراية بأهمية لغة القرآن
في زيارة علمية قادتنا إلى جامعة اسطنبول، التقينا بالأستاذ الدكتور حسين يازجي، رئيس قسم اللغات الشرقية وآدابها، ونائب عميد كلية الآداب، والدكتور إبراهيم شعبان أستاذ بالقسم ورئيس تحرير مجلة ''أدبيات شرقية''، إضافة إلى أساتذة طرحنا عليهم أسئلة خاصة باللغة العربية وآدابها، والعلاقات الثقافية العربية -التركية، راهنا ومستقبلا.
كانت درجة الحرارة في حدود الصفر، لكن الجو كان دافئا. لا يمكنك أن تشعر بالبرد في تركيا، خاصة عندما يكون اللقاء ممتعا مع أكاديميين لهم تصوراتهم وطروحاتهم، في الشأن الأدبي والثقافي والسياسي وفي الترجمة. أو عندما تكون أرصدتك الروحية مليئة بالفراشات وأغاني الأندلس، وليس بعيدا عن البصيرة، مضيق البوسفور، الخط الفاصل بين أوربا وآسيا، وهناك في حقل الرؤيا، المآذن المتلئلئة التي تقودك إلى ذاكرة التاريخ، إلى عشبه وأجمته.
المكتب متواضع، طاولة متواضعة تقريبا، كتب ومجلات وأرشيف وقهوة وشاي، وهذه الأسئلة المتنوعة التي تنغلق بسؤال توضيحي لا علاقة له بالشأن الجامعي، لكنه كان ضروريا لتوضيح شبهات الصورة.
السعيد بوطاجين: لنبدأ بما يبدو استفسارا. ما هي مكانة الأدب العربي في الكلية التي تهتم بالآداب واللغات. وهل هناك استراتيجية مستقبلية لتوسيع العلاقات مع الجامعات العربية والهيئات الثقافية المختلفة في ظل المتغيرات العالمية ولعبة التوازنات، خاصة أني لاحظت في المعهد اهتماما واضحا بالأدب الكلاسيكي، دون الآداب المعاصرة التي لها توجهات أخرى وطرائق سردية مختلفة.
الأستاذ الدكتور حسين يازجي: هناك في معهدنا عدة لغات: فرنسية، إنجليزية، إيطالية، إسبانية، يونانية، لاتينية قديمة، ألمانية، روسية وبعض اللغات السلافية المبرمجة، لكنها دون طلبة ودون هيئة تدريس إلى حد الآن، كالرومانية والصينية، ولذلك أسباب تتعلق بالإقبال وبالميزانية والتأطير.
في اللغات قسمان، قسم اللغات الشرقية وآدابها: العربية، الفارسية، الأردية، ثم الصينية (لم يتم تسجيل الطلاب بسبب تواجد أستاذ واحد). وهناك قسم اللغات الغربية. الإقبال على اللغة العربية ممتاز في تقديرنا، وذلك بداية من خمسينيات القرن الماضي، ولو أنّ العدد لم يكن معتبرا إلى غاية الستينيات لأسباب مختلفة. ثمة حاليا اهتماما بالجامعة النهارية وبالدراسات المسائية التي استحدثتها الجامعة، أي ما يقارب 130 طالبا، وهذا مهمّ مقارنة بالسنوات الماضية، بالنظر إلى ارتفاع العدد تدريجيا. المؤكد أن الإقبال على الإنجليزية أكبر، إلا أن ذلك لا ينفي أبدا أهمية الإقبال على دراسة اللغة العربية وآدابها.
ولهذا الإقبال سببان. أما أولهما فيتمثل في قرار مجلس التعليم العالي رفع عدد الطلبة (40 طالبا لكل دفعة)، ويتعلق السبب الثاني بالتغيرات التي شهدتها العلاقات العربية-التركية في العشرية الأخيرة، ما أدى إلى خلق فرص عمل للذين يتقنون التركية والعربية، خاصة مع ظهور شركات عربية من دول مختلفة: مصر، السعودية، سوريا، ليبيا، العراق، والجزائر إلى حدّ ما، وقد يتعلق ذلك بالمصلحة التجارية، لذا تغدو العربية ضرورية جدا للتحاور.
وهناك من يتعلم العربية من أجل الإلمام بالإسلام في لغته، دون الاعتماد على وسائط أخرى، وهكذا يكون التأسيس على المصدر أحد الخيارات القائمة.
يجب الإضافة أن التعليم، في أغلب الأحيان، يفرض علينا ''نحن الأتراك'' أن نكون موسوعيين، أن نعرف قضايا متعلقة بالأدب والتجارة والسياحة والسينما والرقص ومختلف الفنون، لذا لا يمكننا الحديث عن تخصصات دقيقة، بالمفهوم الأكاديمي للكلمة، لأن الجانب البراغماتي له دور في التكوين، إن لم يكن جوهريا. مع ذلك فنحن نهتم ببعض التخصصات، لغرض ذرائعي كذلك. هناك آلاف الكتب والمخطوطات بالعربية، وفي حقول معرفية مختلفة، ما يفرض ثقافة شاملة لفهمها أو لدراستها وتدريسها.
أما في الشق المتعلق بالتعاون، فإنه لا يمكننا الحديث، حاليا، عن وجود مشروع من هذا القبيل، في الآجال القريبة تحديدا. هناك مبادرة للتعاون مع الجامعة الأردنية في إطار تبادل الخبرات، وقد يتجسد ذلك إن توفرت الظروف والإرادة.
السعيد بوطاجين: العلاقات العربية التركية لها وزنها على عدة أصعدة، تاريخيا وموضوعاتيا ولسانيا ودينيا.. مع ذلك نلاحظ انسحاب تركيا وعدم فاعليتها مقارنة باستراتيجية بلدان أخرى سعت إلى تقوية تواجدها بعدة وسائل، كتسويق الكتب وإقامة شراكات أو تقديم إعانات.
الدكتور إبراهيم شعبان: أحب الإشارة إلى أن الأتراك لدى قدومهم إلى البلدان العربية عملوا على الحفاظ على اللغة والدين، عكس ما يشاع حاليا لأغراض معروفة. كانت تركيا العثمانية على دراية بأهمية لغة القرآن.
الدكتور حسين يازجي: معظم المدرسين كانوا يكتبون بالعربية إلى غاية القرن التاسع عشر. نعم، كانوا يكتبون بالعربية. نحن لم نقتل، لكن الفرنسيين ارتكبوا مجازر وحاولوا القضاء على الدين وعلى العربية، أما الآن فإنهم لا يلتفتون إلى الوراء لرؤية ما اقترفوه في حق الأمم، وما فعلوه في الجزائر لدليل على حضارتهم..
السعيد بوطاجين: أنا أتحدث عن الانسحاب التركي في وقتنا الراهن، وخاصة ما تعلق بإقامة علاقات ثقافية متقدمة مع البلدان العربية.
الدكتور حسين يازجي: انسحاب تركيا قديما كان ناتجا عن ضعفها، ولو أن هناك خليفة ودينا وإسلاما، بالمعنى الحقيقي، لما حدث ما حدث ويحدث الآن. كانت هناك أخوة قائمة على الإسلام، وفي ظل احترام متبادل. ثم انفضوا من حولها، إذ وهنت، لكنها سترجع دون أن يكون لذلك أية خلفية استعمارية.
السعيد بوطاجين: نطرح السؤال بصيغة أخرى، ثمة انشغالات أوروبية وأمريكية بترجمة مؤلفات عربية، ومنها الكتابات الجزائرية. هل للجامعة التركية تفكير في هذا الاتجاه، بعيدا عن أية محاولة للهيمنة ثقافيا أو سياسيا؟
الدكتور حسين يازجي: نعم، هناك اهتمامات كثيرة من قبل مؤسسات وهيئات، لكن أغلبها مصري أو مشرقي. لقد تمّ نقل أعمال كثيرة إلى التركية: جمال الغيطاني، نجيب محفوظ، نوال السعداوي، أمين الريحاني، المنفلوطي، نجيب الكيلاني، جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، نزار قباني، أدونيس، جورجي زيدان وصاحب النمور في اليوم العاشر..
السعيد بوطاجين: تقصد زكريا تامر؟
الدكتور حسين يازجي: تماما. زكريا تامر، الكاتب السوري، وهناك كتابات من الموروث العربي الإسلامي: البخلاء، ألف ليلة وليلة، كليلة ودمنة، المعلقات، مقدمة ابن خلدون، الحكواتي.. إلى غير ذلك من المؤلفات. وغالبا ما تقوم بهذه الأعمال وزارة الثقافة أو دور النشر وليس الجامعات.
السعيد بوطاجين: لكنكم أغفلتم الدول المغاربية رغم حضورها الدولي على عدة أصعدة؟
الدكتور حسين يازجي: هناك أقسام للغة العربية في أردروم، هناك في أنقرة وقسمان في قونيا، وفي ديار بكر، وهناك كلية الشريعة أو الإلهيات باسطنبول. وعلينا الاعتراف أن أقسام اللغة العربية والبلاغة تنطلق من مصر تحديدا، لأن مصر كانت منبع الأدب العربي، إضافة إلى أن الحصول على المصادر والمراجع أمر سهل إلى حد ما، وهذا ينطبق على سوريا ولبنان وبعض الدول المشرقية.
الحديث عن كل الآداب العربية أمر غاية في الصعوبة، لذا يتم تركيزنا على بعض الآداب دون الأخرى. إننا لا نعرف شيئا عن اليمن، ولا نعرف من السودان سوى الطيب صالح، وليلى العثمان من الكويت. لقد قرأت أن البدايات الأولى للقصة والرواية عندكم لها علاقة بازدواجية اللغة. أنتم أقرب إلى الأدب الفرنسي.
السعيد بوطاجين: هذا يحتاج إلى تدليل.
الدكتور حسين يازجي: صحيح أن هناك مركزة ما، لقد كانت الانطلاقة من مصر، ولذا تم التركيز عليها.
السعيد بوطاجين: ألا تعتقدون أن التأسيس المطلق على مرجعية مصرية هو إقصاء قد يسهم لاحقا في توجيه الأساتذة والطلبة وجهة أحادية؟
الدكتور حسين يازجي: طبعا، لكن هناك مبررات، إذا كنّا نملك مصدرا أو مرجعا واحدا عن الأدب الجزائري، فإننا نملك مائة عن الأدب المصري. لقد حدث أن كتبت عن تسع عشرة دولة عربية، وتحديدا في حقل القصة القصيرة، غير أن المعلومات كانت متفاوتة بالنظر إلى المعلومات. كانت هناك وفرة واضحة عندما يتعلق الأمر بالقصة المصرية، وبالمقابل كانت هناك ندرة كبيرة فيما يخص القصة في موريتانيا، وهكذا دواليك.
السعيد بوطاجين: مع ذلك فهناك خلل في منظومتكم الجامعية، أنتم تسعون، بشكل ما، إلى تكريس النموذج المشرقي لوحده، دون أن تنتبهوا إلى المعضلة.
الدكتور حسين يازجي: صحيح، هناك نقص أعتبره عيبا. لكن هذا النقص أكبر مما نتصور. المشكلة حاليا تتعلق بفعالية الدول العربية وبحضورها في الساحة التركية، أرجو أن تسجل هذا، عندما كنت في مصر طلبت السفارة كتبا تركية فقمنا بتوزيعها في الحين. أنا لا أفهم ماذا تفعل السفارات العربية في تركيا، السفارات والقنصليات والملحقات الثقافية! منذ ثماني وعشرين سنة وأنا أدرّس في الجامعة، ولم نستطع إلى حدّ اليوم استضافة سفير أو مستشار ثقافي، لكننا بالمقابل، نستضيف من دول أخرى ومثال على ذلك إيران التي زودتنا بخمسة عشر ألف دولار.
أنا حزين لأن المسؤولين العرب لا يهتمون بلغتهم في تركيا، بإقامة علاقات مع الجامعة. أحبّ أن تدون هذه الواقعة: وأنا في الصف الرابع، جاءت مجموعة من الشخصيات من الكويت، ومعهم رئيستهم، لزيارة كلية الآداب. وقد قدّم أستاذي قائمة بعناوين الكتب التي كنا بحاجة ماسة إليها. وقد قالت الرئيسة بأنها سترسلها فور وصولها إلى بلدها. مضت ثلاثون سنة ونحن ننتظر. هذا لا يحدث مع دول أخرى.
كما أننا كتبنا قبل خمس سنين، خمس عشرة رسالة إلى السفارات العربية راجين منها الحصول على كتب ومراجع عربية. لم تجب أية سفارة، كيف نذهب لنشحذ أمام الأبواب المغلقة؟
الدكتور إبراهيم شعبان: ومع ذلك فنحن نسعى قدر المستطاع إلى نشر العربية في الجامعة رغم المتاعب وقلة المؤلفات الإبداعية أو النقدية أو التعليمية، إضافة إلى قلة الاهتمام بها من قبل ذويها أنفسهم. وإذ نفعل ذلك فلأننا نحب هذه اللغة التي صنعت حضارة كبيرة.
الدكتور حسين يازجي: أسألك، ماذا يفعل المستشارون الثقافيون هنا؟ وأية تقارير يقدمون إلى وزارات الخارجية في بلدانهم في ظل انغلاقهم الكلي وعدم تواجدهم أصلا؟
الدكتور إبراهيم شعبان: هناك مشكلة أخرى يجب التأكيد عليها. نحن الأتراك ننظر إليهم ككتلة وهم ينظرون إلى أنفسهم كشتات، أي كأجزاء مجزأة لا رابط بينها.
السعيد بوطاجين: وماذا عن مستقبل العلاقات الثقافية في ظل ما يعرف من توترات، ثم إنّ هناك من يتحدث عن استعلاء الأتراك وعنصريتهم؟
الدكتور حسين يازجي: هناك مثل عربي يقول: أكلت اليوم أكل الثور الأبيض. الشائعات هذه من إنتاج المستعمر ومن لهم أطماع مباشرة. من جعلنا نحن نقول، إن العرب خونة؟ علينا أن نقرأ التاريخ جيدا تفاديا للخطأ. لقد تغيرت تركيا العثمانية. ولا بد أن تتغير المواقف العربية منّا. علينا أن نتحاور لأن لنا ثقافة واحدة، كنا عثمانيين، أما الآن فنحن جمهورية. نحن ندين بدين واحد ولنا مقومات مشتركة وجب الاهتمام بها لتقوية الصّف. لقد تنازعت فرنسا وألمانيا في سياق تاريخي معروف، وأمام المتغيرات الجديدة خلقت وحدة على الأنقاض.
الدكتور إبراهيم شعبان: يجمعنا إرث واحد وهموم واحدة، نحن إخوة، أما الدعاية القائمة فعبارة عن مزايدات يجب قراءتها بذكاء.
الدكتور حسين يازجي: إنني كجامعي لا أحتمل تحقير أحد. إنّني أقاوم هذا وسأظل أقاومه. لا يوجد شعب سيء في العالم. لكن هناك أفراد. أنا أحب كلّ العرب ولا أفرق بينهم، لا مجال للتمييز والمفاضلة، كما أني أعتز بالأدب العربي، وكلما رأيت تقدما ملحوظا شعرت بالسعادة.
مع ذلك أحب الإشارة إلى أن الكثير من الدول العربية لم تستثمر في العقل رغم غناها المادي، والدليل على ذلك إغفال مثل هذه العلاقات الثقافية التي تدعم أواصر القرابة الموشكة على الأفول، وحتى يتحقق ذلك يجب إشراك مختلف الأطراف للعمل في ظل رؤية واضحة المعالم. نحن لسنا أعداء للغرب، لكن بيننا وبينكم ما يجمعنا، ونحن أقرب إليكم، أكثر من قربنا إلى الغرب.
الدكتور إبراهيم شعبان: هذا وقت التساند الحقيقي من أجل وحدتنا، الكل للواحد والواحد للكل، وحدة دينية، ثقافية، اقتصادية، تجارية، بعيدا عن أية فكرة مسبقة تخص الدعاية التي تتحدث عن العنصرية والتوسع.
السعيد بوطاجين: الدكتور إبراهيم شعبان، أنت أستاذ اللغة العربية ولك اهتمامات بترجمة الأفلام، كما فعلت سابقا. ما هي متاعب تدريس العربية؟ وهل هناك فعلا اهتمام بنقل كتب إلى التركية؟
الدكتور إبراهيم شعبان: تكمن المشكلة الأولى في غياب كتب بالعربية لغير الناطقين بها، خاصة ما تعلق بالكتب التعليمية. وهذا أمر جوهري، وهناك متاعب أخرى تقف عائقا أمام انتشار اللغة العربية في جامعاتنا، وفي تركيا بشكل عام. إضافة إلى انعدام اتفاقيات في هذا الجانب.
إننا نجد صعوبة في تدريس المحادثة، وقد أدّى نقص احتكاك الطلبة بالمجتمعات العربية، خاصة بعد الربيع العربي إلى تعقيد المشكلة، لقد أصبحت التنقلات إلى هذه البلدان غير آمنة، لذا حصل تراجع واضح.
العلاقات الثنائية تحسنت بمجيء حزب العدالة والتنمية، وقد أصبحت الحاجة إلى طلبة العربية شيئا لا يمكن تجاوزه. لقد غدا الإقبال أكبر، لكن الأساتذة يعدّون على أصابع اليد، سياسة الدولة هي التي تحدد، وإذا لم تكن هناك علاقات ثقافية متعددة فإن الطلبة سيكتفون بتعلم العربية من أجل معرفة الدين، لا غير.
أؤكد بأن المستوى كان ضعيفا في البدايات الأولى: تعلم الحروف في الفصل الأول، ثم تأتي أربع سنوات أخرى للتحصيل، لكني أعتبرها غير كافية. أما بعد فتح الدروس التمهيدية فقد تحسّن المستوى، وقد ساعدت ذلك أسفار الطلبة إلى الأقطار العربية.
الفترة التمهيدية عادة هي التي تمكن الطالب من قراءة نصوص بسيطة، في السنة الثالثة أو الرابعة يقدم الأستاذ نصوصا روائية للترجمة والتحليل، ولو بشكل موجز.
من المعلوم أن أغلب الطلبة يتعاملون بالإنجليزية، وحتى نجعلهم يحبون العربية نتعامل باستراتيجية مرنة. نقدم لهم صورة إيجابية عن أهمية العربية وقيمتها التاريخية في صناعة العقل والحضارة والأدب والبلاغة ومختلف العلوم، وهذه حقيقة إضافة إلى تركيزنا على ثقافتنا المشتركة ووحدة شعوبنا، العربية والتركية.
إننا نسعى دائما، من الناحية التطبيقية إلى ربط العربية بالجانب الاستعمالي، بالحادثة التي تشحذ بالاحتكاك والأسفار، غير أن مشكلة الأسفار تحول دون تحقيق ذلك بالشكل الذي نريد، خاصة فيما يتعلق بالفتيات. ولا يمكن أن نصل إلى حل مثالي لهذه المعضلة إلا في إطار اتفاقيات تركية عربية من شأنها ترقية استعمال العربية.
السعيد بوطاجين: أنت حاصل على دكتوراه دولة من العراق، وقد قدمت أطروحة حول الحركة الأدبية والثقافية في العراق في القرن التاسع عشر، أما زميلك الدكتور عمر أوغلو فقد اشتغل على سوريا. أية صعوبة تواجه الأستاذ رغم اشتغاله على الأدب العربي؟
الدكتور إبراهيم شعبان: أجد صعوبة أحيانا في فهم بعض الشعر، ومنه الشعر الجاهلي على سبيل التمثيل. هناك مشكلات تتعلق بالجانب المعجمي بالدرجة الأولى، إضافة إلى قضايا المصطلح وتباينها من ترجمة إلى أخرى. وثمة تفاصيل تتعلق بالمعاني وسياقات إنتاجها، أي بالبيئة التي ولدت فيها. دون الحديث عن الدارجة التي تختلف من قطر إلى آخر. لذلك لا أجد سهولة في نقل الأفلام إلى التركية، رغم أني أعرف الدارجة، كما أني أستعمل الفصحى عندما أنقل الأفلام إلى العربية، لأنّ الدارجة لا تفي بالغرض بالنظر إلى تباينها.
السعيد بوطاجين: هل هناك إضافات؟
الدكتور إبراهيم شعبان: لو تبنت دولتكم نشر أدبها وفكرها لذهبنا إلى أقرب جهة لاقتناء ما نحن بحاجة إليه. جامعاتكم ومؤسساتكم الثقافية لا تفعل أي شيء من أجل ذلك. نريد كتبا وكفى. ذلك ما نحتاج إليه فعلا في هذا الوضع، وإذ حدث أن كانت هناك اتفاقيات فستحل المعضلة. زودونا بكتبكم من فضلكم. وشكرا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.