عبد العزيز بلخادم، هذا الرجل الذي نبذه العسكر لوقت طويل بعد الاشتباه فيه بأنه حليف سري للإسلام الراديكالي أيام جبهة الإنقاذ، والذي عاد من الباب الواسع إلى السلطة بعد عودة بوتفليقة إلى الحكم لماذا ظل برغم العواصف التي أثيرت ضد تواجده على رأس جهاز الأفالان وبرغم الصراعات الصاخبة التي أججها مناوئوه ثابتا ومنتصرا الحقبة تلو الأخرى، أيعود ذلك إلى حنكته ومراوغاته أم إلى سند الرئيس له، أم إلى دوائر صنع القرار التي تريد أن يكون ورقتها الإستراتيجية في إدارة الصراع بين أجنحة الحزب، وأجنحة النظام الباحثة باستمرار عن كسب مواقع في رسم توجهات ميزان القوة الذي قد يعيد ترتيب بيت الحكم ضمن أفق رئاسيات 2014؟! لماذا اضطر الرجل العنيد أويحيى أن يطأطئ رأسه أمام العواصف التي اندلعت في بيت الأرندي إلى تقديم استقالته تجنبا لخروجه من الباب الضيق وتمكن إلى حد الساعة بلخادم أن يقاوم مناورات خصومه ويظهر شكلا من أشكال الصمود والعناد المثيرين لأكثر من تساؤل..؟! “الجزائر نيوز" سعت إلى الاقتراب من المناطق الخفية لهذا الصراع المليء بالمناورات والحسابات الجهنمية وبالضربات التحتية التي تكشف طبيعة العمل السياسي، وطبيعة الفاعلين السياسيين من أجل الحصول على السلطة والقوة.. هنا القصة غير المكتملة لهذا الصراع... حراوبية ولوح وصناعة الانقلاب يحسب حراوبية ولوح على جناح الزمرة الرئاسية المقربة من شقيق الرئيس، السعيد بوتفليقة، وبالرغم أن حراوبية كان في انتخابات 1999 محسوبا على الإصلاحي مولود حمروش إلا أنه نفض يده منه عندما تيقن أن مولود حمروش أصبح في صف الخاسرين واستطاع الاقتراب من الزمرة الرئاسية بفضل صداقته مع السعيد بوتفليقة الذي وفر له حماية عتيدة داخل الجهاز التنفيذي وبالمقابل أعلن وفاءه لشقيق الرئيس الرجل القوي في مؤسسة الرئاسة وحلقة الوصل والاستقطاب بين رجال الأعمال الجدد الذين أصبح نفوذهم يتعاظم منذ أن وصل بوتفليقة إلى الحكم.. أما لوح الذي كان معروفا في الأوساط الإعلامية كصديق للإعلاميين والمقربين من علي بن فليس الذي كان له دور في تثبيت مواقفه داخل الأفالان، وأيضا كوزير في الجهاز التنفيذي بعد أن اقترحه الرئيس الأسبق الراحل أحمد بن بلة على بوتفليقة كوزير تمكن هو الآخر باسم الجهة أن يكون قريبا من زمرة الرئيس، وذلك ما فتح شهيته لأن يطمح أكثر في الترقية السياسية.. ومن هنا انعقد تحالف مقدس في السر بين حراوبية ولوح لتحضير خطة انقلاب ضد عبد العزيز بلخادم دون إشراك الأطراف الأخرى الغاضبة على بلخادم.. وكانت فرصة التحضير للانتخابات التشريعية هي بمثابة اللحظة الذهبية للإطاحة بالأمين العام للأفالان.. وكانت الخطة التي تم تحضيرها في إحدى الشقق بابن عكنون، تتمثل في إقصاء أعضاء المكتب السياسي من الترشح للتشريعيات المنصرمة.. والغاية كانت واضحة، وهي إثارة التململ والغضب في أوساط المكتب السياسي ضد بلخادم ويضاف إلى ذلك، عملية تحضير القوائم وشروط الترشح على أساس التنقيط، التي وضعت على سبيل المثال زياري في بوزريعة بسبع نقاط، وقاسة عيسي ب 14 نقطة في حسين داي، وبلعياط في سطيف ب 17 نقطة، وبرادعي بالجلفة ب 17 نقطة.. وكان حراوبية، يسعى من وراء ذلك التخطيط لأن يكون على رأس البرلمان.. بينما يكون لوح على رأس الحكومة.. وإذا ما صدقنا أحد المطلعين على خفايا الصراع في بيت الأفالان، فإن الخطة أخذت طريقها باتجاه النجاح في بداية الأمر.. لماذا؟! لأنه في حالة تمكن حراوبية من الوصول إلى رأس البرلمان يكون قد تخلص من كل الإطارات القوية داخل المكتب السياسي التي قد تثير له عديد المتاعب داخل المجلس.. والتخلص من المناوئين الأقوياء قد يفتح له الباب على مصراعيه بعد إفراغ اللجنة المركزية من الإطارات القوية للإستيلاء على جهاز الأفالان.. وحرص لوح في أول اجتماع للمنتخبين في البرلمان الجديد اللقاء مع مجموعة الأفالان البرلمانية وذلك في شهر ماي لوضع الخطة على الأرض.. وما هي إلا أيام معدودات عندما كان ثمة اجتماع للمكتب السياسي في مقر الأفالان.. في حين كان الكوادر الآخرون ينتظرون في أسفل القاعة حتى جاء حراوبية إلى مقر الحزب، وهو يعتقد الاعتقاد كله أنه الرئيس الجديد للبرلمان.. بحيث كان يرتدي بدلة جديدة، وراح يسمع من مقربيه وصفه بسيدي الرئيس، دخل على بلخادم، منتظرا منه ترشيحه إلى منصب رئاسة البرلمان.. نظر إليه بلخادم وهو يحاول تجنب نظراته، محلقا تارة بنظره في السماء، وتارة أخرى في وجوه المجتمعين حوله، ليقول بلغة تكاد تكون حيادية، أنه بعد استشارة الرئيس بوتفليقة تم اقتراح العربي ولد خليفة ليكون مرشح الأفالان إلى منصب رئاسة البرلمان.. ساد لحظتها صمت طويل وشيء من الارتباك لينفجر بعدها حراوبية في وجه بلخادم، واصفا إياه بأقسى النعوت وأبشعها.. حدق فيه بلخادم لكن دون أن يلفظ ببنت شفة، لكن حراوبية كان عبارة عن بركان غاضب، فصفق الباب خلفه ونزل الدرج وهو يواصل نعت بلخادم بكلمات قاسية.. وكان المنظر مثيرا بالمعنى الحقيقي للكلمة أمام مرأى المناضلين والموظفين في حزب الأفالان.. وشعر لوح أيضا بالغضب عندما علم أن بلخادم تمكن من فرض العربي ولد خليفة شاعرا بالإهانة فخرج من اجتماع المكتب السياسي لكن دون أن يتفوه بكلمة.. الحرب المكشوفة شعر بلخادم بالسعادة الخفية وهو يرى خطة مناوئيه تصل إلى طريق مسدود، وكان يشعر بالزهو والانتصار لما حققه حزبه من انتصارات في المعترك الانتخابي، بحيث زالت شكوكه ومخاوفه، وهذا ما دفعه بعد أشهر إلى تعيين نواب الرئيس ورؤساء اللجان داخل البرلمان دون أن يقدم أي تنازلات لمناوئيه وعلى رأسهم حراوبية ولوح اللذين ظلا دون تعيين وزاري.. لجأ حراوبية ولوح إلى استقطاب وزير ومناضل غاضب، وهو عمار تو، وهذا الأخير أيضا محسوب على زمرة شقيق الرئيس فاهتدوا إلى حل واحد ووحيد، وهو الانتقام من بلخادم والعمل على الإطاحة به بأي ثمن فعقدوا تحالفا جديدا، هو تحالف حلقة الوزراء، وكان السياق الجديد، وهو سياق الانتخابات المحلية، وكانت التقارير تصل إلى بلخادم، أن الثلاثي المكون من حراوبية ولوح وعمار تو أصبح يجتمع باستمرار ويعقد الاتصالات تحضيرا لحرب جديدة تستهدف رأسه.. وهذا ما جعله في أحد اجتماعات المكتب السياسي يواجههم بغضب ويتهمهم صراحة بالتخلاط وإثارة الفتنة، داخل بيت الأفالان من أجل مصالح شخصية وعصبوية، لكن الثلاثي لم يتراجع ولم تثنه تهديدات بلخادم، فلقد ظل الثلاثة يراهنون على إضعاف بلخادم ودفعه إلى الاستقالة من على رأس الأفالان، لم يعد للثلاثة ما يخسرونه بعد أن أصبحت الحرب في العلن، ولم تعد تدار في الظلام.. لكن اضطر هؤلاء إلى تجريب أسلوب جديد يقوم على المراوغة بدل المواجهة المباشرة والمكشوفة، وكانت المادة 80 التي نعتت الداخلية بإساءة قراءتها عن قصد لإضعاف الأفلان في المحليات، السلاح الجديد الذي حاولوا توظيفه ضد الأمين العام بلخادم.. خاصة وأن هذا الأخير الذي كان يتجنب أن يضحى الصراع على أعمدة الصحف وفي الوقت ذاته إلى استمالة خصومه من خلال امتصاص غضبهم.. وفي أحد اجتماعات المكتب السياسي اقترح لوح وحراوبية كتابة رسالة احتجاجية إلى كل من وزير الداخلية والوزير الأول، فيما يتعلق بالقراءة السلبية لوزارة الداخلية للمادة 80 وبدا لوح أكثر تشددا وحماسة وانتقادا لوزير الداخلية، بحيث قال مخاطبا بلخادم.. “أنا قاضٍ، ولدي تجربة كبيرة في هذا الميدان، ودحو ولد قابلية هذا، مجرد أمي في هذا المجال.. ويدعي أنه استشار مجلس الدولة، وهذا غير صحيح، لذا فنحن لن نصمت ولن نبقى مكتوفي الأيدي أمام مناورات وزير الداخلية.." اقتنع بلخادم باقتراح كل من لوح وحراوبية، وطلب من حراوبية باعتباره رئيس لجنة المنتخبين، بتحرير الرسالة إلى كل من وزير الداخلية والوزير الأول، وذلك ما حدث فعلا.. لكن بمجرد انفضاض اجتماع المكتب السياسي، اتصل كل من لوح وحراوبية بوزير الداخلية وأسرا له أن بلخادم هو من كان وراء الرسالة، ويريد به سوءا.. ويعلق مصدر من الأفالان عندما طرحت عليه السؤال المتعلق بالرسالة الموجهة إلى وزير الداخلية والوزير الأول، أن بلخادم سقط في فخ الثنائي لوح وحراوبية اللذين قررا ألا يستسلما لسلطة بلخادم ومناوراته.. ولم يتوقف الصراع عند هذا الحد بل عرف حلقة أخرى عندما صاح لوح في وجه بلخادم وهو يقول غداة تشكيل مجلس الأمة، بأن “هذا الأخير ليس مجلسا، إنه مجلس الشكارة، والتبزنيس، وعلى الأفالان أن يتحرك باتجاه رئيس الجمهورية، ووافق بلخادم على ذلك، إلا أن البعض اعتبر ذلك سلوكا لا يحبذه الرئيس، فتم التراجع عن ذلك... وهذا ما أغضب عمار تو ضد عضو يقال أنه مقرب من بلخادم.. بحيث وصفه تو وهم يغادرون اجتماع المكتب السياسي، بأنه مجرد عميل لبلخادم...". نحو تكرار سيناريو أويحيى ما إن قدم أحمد أويحيى استقالته حتى اهتدى الثلاثي حراوبية وتو ولوح إلى طريق جديد لمحاصرة بلخادم الذي اتجهت إليه أنظار المراقبين إذا ما كان سيسقط أم يصمد أمام رياح الاحتجاجات داخل حزبه.. فهل سيتمكن هذا الثلاثي من استغلال الأجواء الجديدة ليكرروا سيناريو الأرندي أو معارضته التي دفعت بأحمد أويحيى إلى الاستقالة؟!. لقد كان بلخادم مرعوبا من هذا المعطى الجديد، وبدا في نظر المقربين منه، أنه أصبح هشا واعتقد أن ساعة الرحيل قد حانت، ولذا حاول ألا يظهر تشددا في وجه خصومه لأنه شعر ولأول مرة أن ثمة سيناريو جديد قيد الإعداد من دوائر لم يكن لديه اليقين فيما تفكر.. وهكذا باشر الثلاثي أو مجموعة الوزراء الثلاثة بالدخول على مكتب بلخادم الذي يكون قد اقترح عليهم تناول القهوة لكنهم رفضوا، وباشروه بالحديث عن ضرورة تقديم استقالته من أجل إنقاذ الحزب ووضعوا رسالتهم على مكتبه.. وكان ذلك دون استشارة الأعضاء الآخرين في المكتب السياسي أو في اللجنة المركزية.. ويقول لي أحد المقربين من بلخادم “كانت تلك طريقتهم الأخيرة في عملية الاستيلاء على الحزب" وإذا ما صدقت مصادري، فلقد خاطبوه، فلقد أثاروا في نفس بلخادم الخوف، وأنهم يجدون كل الدعم من حلقة أعضاء اللجنة المركزية الغاضبين ومن الحركة التقويمية، وبالإضافة إلى ذلك كله، أنهم يحظون بدعم وسند من قبل الدوائر القوية والنافذة.. ظل بلخادم يصغي إليهم بانتباه وصمت ممزوجين بالقلق والخوف.. لكن ما إن عرف بلخادم، أنهم فشلوا في استقطاب المعارضين إلى جانبهم حتى صارحهم قائلا “أنا مستعد أن أقدم استقالتي، لكن ليس أمامكم، لأنكم لستم من قمتم بوضعي على رأس الحزب.. إن من قاموا بوضعي هم أعضاء اللجنة المركزية، لذا فأنا لا أقدم استقالتي إلا أمام أعضاء اللجنة المركزية التي ستنعقد، إن الصندوق هو من سيحسم بيننا.. إن أرادوا تجديد الثقة فأهلا وسهلا.. وإن قرروا عدم تجديدها، فأنا سأخضع للقرار السيد...". شعرت مجموعة الوزراء الثلاث أن بلخادم استعاد شجاعته واستجمع قوته فاتجهوا إلى خطة أخرى، وهو أن يتشكلوا كنواة وزارية عتيدة لتكون رأس الحربة، في معركتهم من أجل الإطاحة ببلخادم.. ومن هنا، تمكنوا من الإتصال بوزراء مثل خوذري ومساهل وبن عيسى وزياري لكن خصومهم يقولون، أن هؤلاء الوزراء كانوا منذ البداية في خصومة مع بلخادم ومن هنا وجدوا أنفسهم في مواجهة غير متكافئة على بلخادم، عندما فشلوا في استقطاب أعضاء اللجنة المركزية وباقي أعضاء المكتب السياسي وهذا ما جعلهم أمام هذا الإنسداد إلى غاية أن رموا بأنفسهم في أحضان خصومهم السابقين من معارضي بلخادم، وهم مجموعة عبادة الذي وجد الفرصة سانحة لاحتوائهم.. ويعلق أحد المراقبين، أن مجموعة الوزراء عجزت عن تكرار سيناريو أويحيى لأن المعارضة داخل الأرندي كانت منسجمة، وكان يجمعها منذ البداية هدف واحد، أنها أدركت كيف تقيم علاقاتها مع بعض الدوائر النافذة على مراحل.. في حين أن المعارضة داخل الأفالان هي معارضة منقسمة على نفسها وتتحكم فيها الأهواء والسلوكات الإنتخابوية المؤقتة والآنية، وأن مجموعة الوزراء كانت تفتقر إلى المعطيات الحقيقية للحزب على الأرض.. بلخادم رجل قوي؟! تبقى قوة بلخادم نسبية وفي الوقت ذاته قوة تتسم بالهشاشة، وذلك لأنها تقوم على ضعف وتشتت معارضيه المفتقدين إلى نظرة وخطة استراتيجيتين.. وبالإضافة إلى ذلك، أن يرتبط وجود بلخادم على رأس الأفالان بالحسابات التي تشكلها الدوائر والتي تمليها استراتيجية الرئاسيات المقبلة والتي تتلخص في التمديد من عمر النظام وذلك على حساب استراتيجية التغيير الهادف إلى إحداث القطيعة، أو كما يقال تثبيت أقدام استراتيجية التغيير الكمي وليس النوعي في ظل الإستمرارية.. وبلخادم الذي داعبته للحظات أحلام خلافة بوتفليقة يكون قد عاد إلى رشده وهو مستعد من أجل التبشير وبالتالي مساندة الرئيس في عهدته الرابعة أو على الأقل دعم تمديد عهدة الرئيس بوتفليقة إلى العام 2016 في حالة ما تم تعديل الدستور وتكون الرئاسة لعهدتين وعمر العهدة سبع سنوات...