تمنيت لو كنت صورة في ألبومك! بين ذكرياتك، تلك الصور التي لا تملين من التفرج عليها بشغف وكأنها مسلسل جميل لا ينتهي! ألبوم الصور المدرسية.. صور قسم "أ" السنة الخامسة، وصور قسم "أ" السنة السادسة، وبجانبك معلمة اللغة الفرنسية داودية! عرفتك لما كنت تلميذة نجيبة في مدرسة ابن باديس، لكن مغرورة بعض الشيء بسبب أن والدك يعمل مستشارا في الثانوية! ونحن في الأغلب أبناء أناس عاديين.. دخلت قلبي بل سطوت عليه.. أنت تدرسين في قسم "أ" وأنا أدرس في القسم الآخر "ب"، أنت المتفوقة في قسمك، وأنا المتفوق في قسمي وكانت المنافسة قوية بيننا، منافسة قوية وقليل من الإعجاب الذي عرفت بعد سنين عديدة أنه الحب! لكنك كنت دائما تتفوقين علي، يكون دائما ترتيبك الأول على مستوى القسمين.. الأولى على مستوى أقسام السنة الرابعة، والسنة الخامسة، والسنة السادسة.. كان بإمكاني التفوق عليك لولا اللعب والرسم ومسلسلات الرسوم المتحركة التي لم تفتني حلقة منها! ربما أنت لم تكوني تعلمين، ولا أحد من التلاميذ يعلم أني حينما كنت أعود من المدرسة أقوم بالواجبات المدرسية ثم أشاهد المسلسل الكرتوني، وبعد ذلك أخرج للعب والجري مع الأصدقاء ولا أعود إلا مع أذان المغرب.. فلا أراجع دروسي.. وإنما أرسم.. أرسم.. أرسم الشخصيات الكرتونية التي ملكت علي روحي وعقلي.. بيبيرو.. فولترون.. الرعد العملاق.. السنافر.. السبع المدهش.. سالي.. سنان.. كان عندي ألبوما كبيرا من أبطال الكرتون أهديته لصديق عزيز ثم ندمت، هل يعقل أن يهدي الإنسان تاريخه الحميمي؟! كان مختاري معلم اللغة الفرنسية يحفزني لكي أبذل مزيدا من الجهد لكي أتفوق عليك، لكن ذلك لم يكن يهمني بقدر الإعجاب بك، وطالما تمنيت أن أكون معك في حجرة واحدة، وطالما رجوت والدي أن ينقلني من قسم "ب" إلى قسمك غير أنه كان يرفض بشدة قائلا إن تفوق التلميذ لا علاقة له أبدا بالقسم أو بالمعلم أو بالزملاء.. لم يقنعه تعللي بأن قسمي ملئ بالتلاميذ الفوضويين! وكان التحدي هو قدرنا في الدراسة والإعجاب لما انتقلنا إلى متوسطة عواد محمد، لكن المنافسون أتوا من مدراس أخرى، من مدرسة خلف خيرة والأمير خالد.. وكان مصيرنا أن نبقى في قسمين مختلفين، لكن كلانا تراجع، أنا لم أصر المتفوق الثاني، وإنما الخامس، وأنت الثانية، الحقيقة أني كنت المتفوق الأول بين الذكور، لكن تفوقت علي أربع إناث، خالدية، مختارية، سميرة وأنت! وقد كان أستاذ العلوم الطبيعية لا يمل من تأنيبي قائلا: من العيب أن يكون المتفوقون الأوائل إناث! وفي كل حصة كان يحمسني لكي أبذل القليل من الجهد لكي أحطم سيطرة الإناث على عواد محمد، والأساتذة جميعا ينوهون بنجابتي وأخلاقي في اجتماعات الأساتذة! لو أردت أن أفعل ذلك لكان علي أن أضحي بالكابتن ماجد وأنا لا أستطيع! وفي المتوسطة ظهر المنافسون أيضا في الإعجاب بك، وبدأت أسمع شيئا جديدا يطلقون عليه اسم الحب يعذب ولا يترك المرء ينام أو يهنأ بالأكل! لكني ما أخطأت وذكرت حبي لك، أو عبرت عن إعجابي بك كما كانوا يفعلون لما تمرين بجانبنا ترتدين المئزر الوردي! وفي الثانوية كان الافتراق قدرنا، فراق عذبني كثيرا! افتقدتك، كما افتقدت المسلسلات الكرتونية لأني طالب داخلي، أنت تدرسين في الثانوية الجديدة، وأنا في متقنة الشادلي قادة.. أنت تدرسين الأداب، وأنا أدرس الرياضيات.. والرياضيات تحتاج إلى الاجتهاد أكثر، وصار التحدي الكبير أن نفرض نحن الطلبة الداخليين أنفسنا أمام الطلبة الخارجيين، وأيضا مسؤولية تمثيل مدينتنا الصغيرة بين المدن الأخرى، لكنك بقيت في قلبي، وكنت أسر كثيرا لما أراك في محطة الحافلات! واندهشت لما ضرب بك أحد أقاربك المثل وهو ينتقدني لأني لم أختر مادة الرسم في الجامعة، إذ قال لي: ابنة أختي تدرس الرسم في الجامعة ولم تكن تفقه شيئا في الرسم، وأنت ترسم أحسن منها! فلماذا لم تختر الرسم وأنت متفوق فيه؟ خالك لا يعلم أني في المرحلة الثانوية تحول حلمي لأن أكون داعية كبيرا مثل الشعراوي أو قطب والغزالي، وأني قرأت كل كتب سيد قطب الخفيفة وأيضا كتب محمد الغزالي وأدركت أني أنتمي إلى أمة كبيرة تتجاوز مدينتي الصغيرة، يا ليتني أستطيع أن أفعل لها شيئا! وفي الثانوية اكتشفت عالما أمتع من عالم الرسوم المتحركة وهو الرواية، فقررت أن أكون روائيا كبيرا أخلد مدينتي الصغيرة وأصدقائي الذين أحبهم في أعمال قصصية! ولا أعرف بالضبط متى تعرفت على اللغة الكورية، فأحببت هذه اللغة وعشقتها، وصار هدفي أن أتقنها وأصير باحثا كبيرا في الثقافة والتاريخ الكوريين! ونسيت الرسم تماما، فلا أمارسه إلا حينما أحن إلى أيام الطفولة الجميلة، فأرسم الكابتن ماجد أو رعد.. أو الثعلب ركس.. أكملت أنت دراستك الجامعية وعينت معلمة للرسم ثم تزوجت ورزقت أولادا.. وحينما علمت بزواجك من قريبك، اهتز قلبي وتحجرت الدموع في عيني، لكني لم أحزن وإنما ضحكت لأنك لم تبادلينني الإعجاب أو الحب، وتلك الابتسامات الحلوة في الماضي لم تكن سوى ابتسامات طفولية لا معنى لها سوى زمالة مدرسية قديمة! فقررت أنا أيضا أن أتزوج لعلي أنسى، تزوجت دون اختيار، لأنك أنت حبي الأول وإن لم تكوني تعلمين ذلك، وكلفت أمي باختيار الزوجة.. ونسيت، وانهمكت في حياتي الاجتماعية وواجباتي العملية حتى ذاك اليوم الذي سمعت قريبك يحدث فيه إحدى زميلاتك القديمات بألم! فعلمت أنك مقعدة فوق كرسي متحرك.. بسبب حادث سيارة.. في تلك اللحظة أدركت أن قلبي كان يكذب علي، فلو كان حبا حقيقيا لكنت أحسست بمصابك المأساوي! كان إعجابا طفوليا من طرف تلميذ اتجاه زميلته التلميذة! وأخبر زميلتك أنك تمضين الوقت في قراءة القصص المصورة لطفلك الصغير أو في تقليب صفحات ألبوم الصور.. قال قريبك متعجبا: إنك لا تملين من النظر في الصور الجماعية لتلاميذ قسم "أ" من مدرسة ابن باديس.. كم تمنيت لو كنت صورة في ألبومك، فتتأملين جيدا في وجهي الطفولي لعلكي تتذكرين شيئا جميلا.. أو ذكرى جميلة نتقاسمها..