شكل موضوع مخيمات التجميع إرثا ثقيلا بالنسبة للجزائر، كونه تسبب في المأساة والقطيعة بكل أنواعها من دون شك كان من أهم القضايا الملحة التي تستدعي الحل عقب الاستقلال، خاصة أن المجتمع الريفي عان كثيرا من هذه السياسة خلال الفترة 1955 و1962. حسب ما جاء في الوثيقة التي تضمنت مداخلة الأستاذ الجامعي ميشال كورنتو التي ألقاها بتاريخ ال22، 21، 20. والذي يصف هذه الظاهرة وانعكاساته على الشعب الجزائري إبان الحقبة الاستعمارية. حيث يؤكد أن أول مخيم تجميع في الجزائر أنشأ في منطقة النمامشة، والذي يفتقد لأدنى شروط الإنسانية. ويضيف المحاضر أن تاريخ المحتشدات أو بالأحرى مخيمات التجميع في الجزائر، يعود إلى الأسابيع الأولى من الصراع والتي سميت بالمناطق انعدام الأمن التي انشات سنة 1954، من طرف الجنرال »جورج بارلونج«. هذه التسمية تتعلق بالسكان الذين عليهم التنقل تحت حماية قوافل عسكرية فرنسية. وأضاف أنه كان على السكان في بعض الأيام، وأحيانا في بعض الساعات إخلاء هذه المناطق. والانضمام إلى محيط محدد وفي أغلبية الأوقات لضرورة عملية حيث لا يتم إخطار الأهالي، الذين يشهدون شاحنات عسكرية تحيط بقريتهم لنقل سكانها إلى مراكز عسكرية. ويصف المتحدث الوضع قائلا: »كل من يوجد في هذه المنطقة يعتبر متمرد ويمكن أن يتعرض إلى سلاح المشاة والطيران. وقد شوهد نزول أفواج من الفقراء من الجبال وأمامهم الحمير والماشية التي تم إنقاذها من المجزرة. وتم حشرهم في أكواخ على سفوح كتل صخرية المحظورة على أمل الاتصال بالمناضلين ويرسلون البهائم لترعى في المناطق المحرمة«. ومن الشائع أن يكون أكثر من عشرة أشخاص في كل غرفة يقدر طولها بعشرة أمتار مربع، كما يعمد أغلبية هؤلاء لبيع قطعانهم الهزيلة للبقاء على قيد الحياة بما أنهم لم يستطيعوا زراعة حقولهم ووصلوا إلى حالة منخفضة من البؤس الكلي لدرجة انه في بعض الأماكن أصبحوا يأكلون الأعشاب. وحسب ميشال كورنتو فانه خلال الفترة 1955 و1956 انتشرت المناطق المحظورة على كل التراب الجزائري، بعدما طبقت بمنطقة الأوراس، وصولا الى الشمال القسنطيني، ليدور، منطقة القبائل، الدهرة والأطلس الصحراوي. حيث أن هذا النظام الاستعماري يسمح للمجاهدين الذين ينعتهم الاستعمار بالفلاقة بالإقامة في منازل خالية تتوفر على أكل تم تركه مهملا. وقد لجأ الاستعمار الى هذه السياسة لقطع الطريق أمام المجاهدين ومنعهم من الاتصال بسكان المشتة لقطع المؤونة عنهم. واستنادا للوثيقة فانه ابتداء من سنة 1957، اقتنع قادة الدوائر الفرعية والأحياء بأن الحل الوحيد هو تطبيق طريقة »ماو زيدونق« القائلة: »المتمرد يعيش وسط السكان مثل السمكة في الماء، نسحب الماء تموت السمكة«. وبمعنى آخر فان المجاهدين عندما لا يجدون الدعم في مجال المؤونة، العلاج، إعطائهم معلومات حول تحركات العدو، يضعون أسلحتهم، وهذا هو الهدف العسكري لفرنسا لتجويع المجاهدين وحرمانهم من كل الاتصالات مع الشعب. ويمكن اعتبار أن هذه السياسة لا غنى عنها، قال ميشال كورنتو، وهي مكملة لسياسة المناطق المحظورة أو المحرمة. وتجدر الإشارة الى أن، العديد من الصحف في تلك الفترة، تحدثت عن الإبادة الجماعية في هذه المحتشدات، حيث أنه بتاريخ ال31 مارس 1959، قرر المندوب العام للحكومة الفرنسية في الجزائر »بول دولوفري« التكفل شخصيا بملف مخيمات التجميع ومراقبة العملية، كما احتفظ بالقرارات المتعلقة بإنشاء مخيمات التجميع القادمة.