لا تختلف الانتخابات التشريعية المرتقبة في 17 ماي المقبل، عن سابقتها التي جرت في ماي 2002 ، سوى في بعض المتغيرات التي طرأت على بعض الأحزاب السياسية، وفي مواقفها من هذه الانتخابات. ولعل أهم ما يميز هذه المستجدات، هو اختفاء أسماء صنعت أمجاد وذهبت، ومجيء أخرى لا زالت تبحث عن الضوء في درب سياسي مليء بالمطبات. في ظل هذه المعطيات، يتسابق اليوم 24 حزبا سياسيا في مضمار غير متكافئ، الكثير منها وقع حضوره من أجل "البزنسة" السياسية بوثيقة منحته إياه الداخلية "في وقت الغفلة"، والقليل منها يتوخى الوصول إلى قبة البرلمان، وحصد ما أمكن من المقاعد النيابية، وهي تعد على رؤوس أصابع اليد الواحدة. في هذا المعترك، تبرز صورة علي بن فليس الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني كأبرز الغائبين عن عرس 17 ماي المقبل سيكون، لأن هذا الرجل تمكنت الجبهة في عهده من العودة إلى ريعان شبابها، في وقت نادى فيه الكثير بعودتها إلى متحف التاريخ. هذه الأخيرة تمكنت من حصد الأغلبية المطلقة من مقاعد الغرفة السفلى في العهدة التشريعية الخامسة، وكذلك الأمر بالنسبة للانتخابات المحلية، التي كرست بدورها عودة الحزب العتيد إلى السيطرة على دواليب السلطة والدولة، بعد خماسية فرضت مولودا جديدا ظهر فجأة على مسرح الساحة السياسية، قيل إنه "صنيعة الإدارة"، وهو التجمع الوطني الديمقراطي، الذي كان محل نكت سياسية، بحيث لم يتردد رئيس حركة مجتمع السلم الراحل محفوظ نحناح في تسميته بأنه "ولد بشوانب تركية"، في عبارة مثقلة بالدلائل والمعاني. الأفلان اليوم يخوض غمار التشريعيات وهو برأس جديد هو عبد العزيز بلخادم، فرضته تداعيات ما بعد تمرد الأمين العام السابق على بن فليس على "ولي نعمته" عبد العزيز بوتفليقة. ومع ذلك فقد سلم جميع خصوم بلخادم من السياسيين، بأن الجبهة ستسابق ذاتها في احتلال المرتبة الأولى، وهو الاعتراف الذي صدر من زعيمي الحزبين الآخرين في التحالف الرئاسي أحمد أويحيى وأبو جرة سلطاني، الأمر الذي خلف الكثير من التساؤلات حول ما تردد بأن "الكعكة" تم تقسيمها مسبقا، وأن الجميع قد عرف نصيبه منها. الغائب الكبير الآخر، هو من دون شك الراحل محفوظ نحناح الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم. هذا الرجل وإن غيّبه القدر، إلا أن اسمه سيكون حاضرا بقوة في الحملة، وقد تجسد هذا من خلال إقدام قيادة حزبه على تدشين الحملة من قبره الكائن بمقبرة العالية، في خطوة رمزية، تتطلع من خلالها القيادة الجديدة للحركة، لاستثمار ماضي الرجل ونضالاته الطويلة، وتوظيفها في استمالة الناخبين في موعد 17 ماي المقبل. ويتجلى هذا التوجه أيضا في الصور واللافتات الإشهارية لهذا الحزب، والتي قرنت فيها صورة رئيسها أبو جرة سلطاني بصورة الراحل محفوظ نحناح. في السياق ذاته، تشهد التشريعيات المقبلة غياب واحد من الشخصيات التي شاركت في كل الاستحقاقات منذ الانفتاح السياسي مطلع التسعينيات، وهو عبد الله جاب الله الرئيس السابق لحركة الإصلاح الوطني، الذي تم تحييده في آخر لحظة من على رأس حركة "ربيبة" نشأت وترعرعت في رحم أزمة حركة النهضة في سنة 1999. وها هو اليوم يشرب من الكأس التي كان قد تجرع منها قبل ثماني سنوات، في مشهد يبدو أنه سيكون الأخير في مسيرة هذا الرجل، الذي يقول عن نفسه بأنه المعارض غير المهادن للسلطة، لكنه تحصل على اعتماد لحزبه الثاني في وقت منع فيه آخرون من الحصول عليه، على الرغم من علاقاتهم الوطيدة بدوائر سياسية على علاقة وطيدة بصناع القرار، على غرار أحمد طالب الابراهيمي، وسيد احمد غزالي، على سبيل المثال. التغيير طال أيضا حركة النهضة بذهاب أغلب قياداتها التقليدية التي أطاحت بجاب الله، وهي اليوم تخوض سباق التشريعيات في غياب ثلاثة أسماء كبيرة، آثرت مصالحها الشخصية على مصلحة الحزب، تاركة المشعل للجيل الثاني، يتقدمهم رئيسها الجديد فاتح ربيعي، الذي خلف يزيد بن عائشة في حركة تغيير سلمية. وهي تطمح اليوم لأن تعود إلى سابق عهدها بثقلها الحقيقي، بعد النكسة التي تعرضت لها في سنة 2002. الجديد الآخر الذي سيطبع استحقاقات 17 ماي، هو تخلي حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية عن سياسة الكرسي الشاغر، التي زاحم فيها غريمه التقليدي بمنطقة القبائل جبهة القوى الاشتراكية، في الانتخابات التشريعية والمحلية لسنة 2002 ، في محاولة منه للتخلص من تهمة المشاركة في ممارسة السلطة عبر عدد من وزرائه. ولا شك أن قرار المقاطعة كان قد ساهم بقسط وافر في تمرد عدد معتبر من أنصاره، منهم عمارة بن يونس الرجل الثاني في الحزب سابقا، الذي خاض مغامرة فاشلة، لينتهي به المطاف إلى الترشح تحت لواء التحالف الوطني الجمهوري، بعدما عجز عن الحصول على اعتماد مشروعه الذي لم يكتمل. محمد مسلم:[email protected]