تبوء العديد من علاقات الزواج بالفشل، في بداية الحياة المشتركة أو حتى بعد مرور سنوات طويلة من العشرة والحب، قد يصطدم الزواج بمشاكل غير متوقعة، أو تفتر مشاعر الطرفين، ما يقودهما إلى اتخاذ قرار الانفصال، فيتلاشى الود تدريجيا أو بمرور الزمن، لكن مشاعر مخفية قد تستمر مدى الحياة وقد تحكم الظروف على الشريكين بنوع من التواصل الروحي، رغم الارتباط بشخص آخر. هل تذهب سنوات العشرة سدى؟ على عكس ما هو شائع في الفترة الأخيرة، لطالما كان الطلاق بعد سنوات طويلة من الارتباط أمرا نادر الحدوث، مقارنة بنسب الانفصال بعد أشهر قليلة أو سنة أو سنتين من العيش تحت سقف واحد.. فالناس في الماضي كانوا يتركون للعشرة حق اقتياد مشاعرهم وتوطيد علاقاتهم الزوجية، وكان لمرور الشهور والسنوات والمواقف معا، مفعول قوي في منع الانفصال وتعزيز مكنونات الود والاحترام، فاستطاع الكثير من الأزواج تجاوز مشكلات كبيرة ومطبات عاطفية وأزمات مالية واجتماعية، دون أن تفتك بزواجهم، أو يفكروا في الطلاق والارتباط مجددا.. ومع تغير الأزمنة والقوانين، وتحرر المرأة أكثر على جميع الأصعدة، أصبحت تطلب الانفصال بسهولة تامة، ولا تطيق تحمل ما يزعجها أو يعكر صفوها، تماما مثل الرجل، حتى وإن مر على رباطها عشرون سنة. فالمرأة في عصر التحرر هذا أصبحت طموحة حتى على الصعيد العاطفي، وتمنح نفسها فرص الارتباط وتطمع في الزواج مرة أخرى ومرات عديدة، بعدما كان هذا السلوك حكرا على الرجال. تنوه الاستشارية الأسرية، الأخصائية النفسية، مونيا لخضاري: "لقد سمحت تشريعات الأسرة الحديثة للمرأة بأن تقرر مصيرها، وساعدها الوعي المرتفع الذي تكتسبه يوميا من مصادر عديدة لتحديد مصيرها، ما سمح لها برفض الإهانة أو تحمل ما لا تطيقه. فقد أصبح قرار الطلاق بيدها كما كان بيد الرجل، مع ذلك، تتمنى الغالبية لو أنها حصلت على معاملة حسنة تمنعها من الانفصال، لكونها تعرف وتفهم شريكها أكثر من أي رجل آخر قد تصادفه، حتى إنها عندما ترتبط مجددا لا تسعى لبذل أدنى مجهود في محاولة استقطاب مشاعر الزوج الجديد، ويفتر شغفها بالرجل في الغالب، بل وتشير الإحصائيات إلى أن غالبية النساء اللواتي ينفصلن في سن متقدمة أو بعد مرور مدة طويلة على زواجهن، هن الأكثر تعرضا للطلاق المتكرر ولتعدد الزيجات، إذ تشكل الحياة المشتركة بالنسبة إليهن تهديدا بالزوال، كما أن هناك احتمالا أقرب إلى الواقع، هو أن الزوج الأول لا يزال يشغل مساحة عقولهن وقلوبهن". الأولاد همزة وصل بعد الانفصال عادة ما يكابر الأبوان غير المتوافقين لتفادي قرار الطلاق من أجل الأطفال، لكن وفي حالات كثيرة، يصعب تحدي الظروف، خاصة إذا تعلق الأمر بخيانة عاطفية، أو مسألة عنف، ولا يمكن نسيان الزواج الأول أو التوقف عن ذكره بأي شكل من الأشكال، عند وجود أطفال، فهناك دائما موقف أو ذكرى ترتبط بالأب أو بالأم، تجعل أحد الطرفين يعيش مع الأبناء علاقة أسرية مبتورة، حتى لو حاول الأب الزواج لتعويض أبنائه هذا الجانب أو فعلت الأم.. تقول نعيمة، 42 سنة، أم لطفلين، تزوجت مرة ثانية، بعدما ضمنت حضانة ابنيها: "تزوجت من رجل أرمل، وقبلت تربية أبنائه لعله يكون بمثابة أب لابني وابنتي، ورغم أنه لا يقصر في شيء معهما، إلا أنهما يذكران والدهما باستمرار، ويحنان إلى حياتنا السابقة. لا أنكر أنني أقاسمهما الشعور ذاته، خاصة أثناء حديثنا واجترارنا الذكريات، أحيانا أندم للزواج مرة ثانية، ثم أعدل ما إن أتذكر أن زوجي اختار امرأة أخرى". وتشير الاستشارية الأسرية، مونيا لخضاري، إلى مقوم أساسي آخر، يساهم دائما في إحياء ذكرى الزواج الأول لدى المرأة أكثر منه لدى الرجل، ألا وهو المجتمع بانتقاداته اللاذعة، وأحكامه المسبقة، وهو ما يجب على الطرفين مواجهته والتصدي له بمجرد اتخاذ قرار الانفصال والارتباط ثانية.