الهيبة ليست مرتبطة فقط كما عند علماء السياسة بامتلاك القوة والسلطة والنفوذ والردع، إنما هي مرتبطة أيضا، كما عند علماء الاجتماع، بالتضحية والترفّع والعلم والكفاءة والقدرة والأخلاق والعفة والزهد والإيمان.. وغيرها من الصفات غير المادية وغير العنيفة. لا يمكننا أن نستعيد هيبتنا كاملة، انطلاقا فقط من المفاهيم الأولى الأقرب إلى السيطرة والهيمنة، بل علينا أن نصل إليها من خلال المفاهيم الثانية الأقرب إلى الأخلاق والقدوة الحسنة. علينا أن نزيل ما ارتبط في أذهاننا من مفهوم لهيبة الدولة، القائم على احتكارها المطلق لوسائل الإكراه المادي والقانوني والإعلامي العنيف وغير العنيف، وأن نسعى إلى استبداله بمفهوم آخر انطلاقا من الأسس الأخرى، غير مرتبط بالفعل السياسي وبممارسة السلطة، مستمدّ من عمق المجتمع وخصوصية الأفراد الذين يمثلون قطاعاته وهيئاته المختلفة. علينا برسم سياسات عامة تعيد لنا 05 أشكال من الهيبة: 1 هيبة للعلم والعلماء والكفاءات في كافة المستويات بعيدا عن كل حسابات لها علاقة بالاقتراب أو الابتعاد عن السلطة والنفوذ وامتلاك مقومات القوة المادية من مال وجاه وامتيازات. 2 هيبة للمعلم انطلاقا من قيم الكفاءة والمعرفة والاستقامة والعفاف لا الولاء وتقديم الخدمات وحراسة الانتخابات. 3 هيبة للقاضي على أساس عفته ونزاهته وتطبيقه للقانون. 4 هيبة للرجال والنساء على أساس تضحياتهم وتفانيهم في خدمة الآخرين في أي قطاع كانوا، لا على أساس ولاءاتهم لذوي السلطة والنفوذ. 5 هيبة للمواطن على أساس صلاحه وإخلاصه وكونه قدوة للآخرين في بيته وعمله... علينا برسم سياسات عامة تُقيم هيبة الدولة على أساس هيبة المجتمع وليس العكس؛ سياسات تعيد تصحيح المعادلة من الداخل وتعترف أن المسؤول مهما كانت مرتبته، ومهما اصطنع من هيبة لنفسه من خلال عوامل القوة والسلطة والسيطرة والنفوذ، ما يلبث أن ينهار كل ذلك لديه إذا ما أقامه في مجتمع فاقد للهيبة. ألم تتسارع الأحداث أمامنا اليوم لتقدّم أكثر من نموذج عن المساس بهيبة الدولة في أكثر من موقع من غير أن يتبادر إلى أذهاننا أن المسألة لا تتعلق بهيبة دبلوماسية أو هيبة وزراء أو سفراء إنما بهيبة مجتمع؟ أليس هذا ما ينبغي أن نقوله إذا أردنا أن نسير في طريق عودة الأمل: أنه لا يمكننا أبدا أن نصنع رجالا ونساء، وزراء أو غير وزراء، يفرضون هيبتهم على الخارج قبل الداخل إذا لم يكونوا أبناء مجتمع يصنع ويملك بحق هيبته؟