عشنا عهد "يجوز ولا يجوز" خلال فترة "الإنقاذ"، وقاومنا "المشروع التغريبي" أثناء عهدة "الإرهاب المنظم"، واليوم ندخل مرحلة "حلال علينا حرام عليكم" أو تبييض الأموال وتحصين "الوظائف السامية" بالرواتب المنفوخة بالمال العام. * ومع ذلك ما يزال لدينا أمل في التغيير، لأن الأحزاب التي تطعن في الشهداء هي أحزاب جهوية، وملفات أصحابها ما تزال محفوظة لتنشر في الوقت المناسب. * هناك حملة منظمة تحت غطاءات »تضليلية«، فالذين فشلوا في فرض مشروعهم التغريبي كانوا يترددون على »بيوت قيادات إسلامية« وساهموا في زرع »النفاق والشقاق« داخل الأحزاب الإسلامية، ولا أستبعد أن تكون نهاية »حمس« مثل نهاية النهضة والإصلاح. * ربما يسألني القارئ: لماذا لا تفصح عما تريد قوله؟ * * الممنوعات في الجزائر * أهم الممنوعات في الجزائر والوطن العربي هو التفكير بصوت مرتفع، فها نحن أمام معرض دولي للكتاب همّ من أقاموه هو منع الكتاب الإسلامي، وهو يحدد عدد النسخ ب 100 نسخة لكل عنوان، ويمنع الناشرين الجزائريين من عرض أعمال غيرهم. * وبالرغم من أن الكتاب الإلكتروني فصل نهائيا في مفهوم الرقابة، فإن لجان الرقابة ما تزال لا تقرأ الكتب وإنما تمنعها من العنوان، وتعتقد أن المنع يمكنها من تحقيق أهدافها، صحيح أن الرقابة أرادت منع »التشيع« أو انتشار »الفكرة الجهادية«، دون أن تدرك أن أهم كتاب يوزع في الجزائر سرا هو »مصحف فاطمة« لم تشهد الجزائر مرحلة من تهميش المثقف الجزائري والعربي مثلما تشهدها اليوم، ولولا المكتبة الوطنية وما تقوم به لما ورد ذكر الجزائر، في أي قطر عربي آخر، وإذا كانت وزارات الثقافة في الدول العربية تثير جدلا فإنها في الجزائر لجأت إلى من باعوا »مكتبات آشات« وحولوها إلى محلات تجارية ليشرفوا على الكتاب الجزائري. لو قرأ شيوخ جمعية العلماء المسلمين كتاب الوزيرة الصادر في فرنسا حول حياتها لربما تراجعوا عن رشق »أدونيس« بكلمات لم تعد لها مكانة في قاموس »الإلحاد«، ولا في كتاب »الإلحاد في الإسلام« لعبد الرحمان بدوي المطبوع في الأربعينيات. * هناك مؤامرة على الثقافة والتاريخ، فالأولى يراد منها منع المفكرين والمثقفين العرب من الحضور إلى الجزائر، ومنع نشاط المكتبة الوطنية في تكريم شيوخ جمعية العلماء المسلمين ورموز الثقافة والممانعة في الجزائر. * والتفكير في تقليص نشاط المكتبة الوطنية بدأ بمقاطعة الوزيرة لضيوف المكتبة الوطنية ونشاطاتها، في الوقت الذي بدأ شيوخ الثقافة في الجزائر يتبرعون بمكتباتهم الشخصية، وسيكون الشيخ مطاطلة من بين المبرمجين لهذا العمل الثقافي الكبير. * مشكلة وزيرة الثقافة مع الروائي المبدع أمين زاوي بدأت يوم اقترح إلحاق المكتبة الوطنية بالرئاسة، مما جعل الوزيرة تقبل الشاعرة الدكتورة ربيعة جلطي لأنها زوجته، وتغلق الأبواب أمام كل من يتعامل مع المكتبة الوطنية. * والحقيقة تقال إنه لم يسبق أن شهدت الجزائر نشاطا ثقافيا في مثل حجم ما تقوم به حاليا المكتبة الوطنية إلا في عهد الراحل مصطفى كاتب عندما عوضت وزارة التعليم العالي وزارة الإعلام والثقافة. * مشكلة وزارة الثقافة أنها تعمل على نشر ثقافة جهوية بتوظيف أشخاص ينتمون لجهتين متناقضتين، بهدف تكريس وجودها ووجود من يدعمها في الوزارة. * * لماذا الإساءة إلى الشهداء وتحجيم دور المثقف في الجزائر؟ * أزعم أن من يشكك في عدد الشهداء هم من أفلسوا سياسيا ولم يعد لهم »مشروع« يدافعون عنه، ومن يحاول تقليص نشاط المكتبة هم الذين ينظرون ل »يناير« في طبعته الثانية، بعد الطبعة المرتبطة بالسنة الثقافية العربية في الجزائر. * وهناك موجة تشكيك في الثورة ومكتسباتها، حتى أن المعمرين أخذوا مقرات وسكنات ومنها مقر »الأرسيدي« ولكن هذا الحزب ليس له مشكلة مع المعمرين وإنما مع الشهداء، وحين تقدم لرئيس حزب دعوة من محطة تلفزيونية ويسوق على أنه مدعو من دولة عظمى فهذا دليل على التضليل الإعلامي التي يمارس في ظل غياب الشفافية. * ومن يسوق لهذا التضليل هم أولئك الذين لم يقدروا وجود جميلة بوحيرد في محاضرة الدكتور أدونيس ومنحها إياه وسام المكتبة الوطنية. * * عبد الرازق، طه حسين، السنهوري، سلطاني وآخرون؟ * بالرغم من أن »الحمار« هو رمز الحزب الديمقراطي، و»الفيل« هو رمز الحزب الجمهوري في أمريكا فإن الحزبين لم يتهكما على الحيوانات. * وإنما كان مصدر السخرية هو »الإسلام«، ف »أوباما« متهم بأن فيه »رائحة الإرهاب«، بسبب والده، وبالرغم من أن العنصرية مجسدة في المجتمع الأمريكي إلا أن الحزبين يتنافسان على برامج، وليس مثل أحزابنا الجزائرية التي تتنافس على إلغاء برامجها. * والمحطات والقنوات المسيحية تتنافس على تشويه القرآن الكريم ومحمد (صلى الله عليه وسلم)، ومن يشاهد قناة »الحياة« يجد المسيحيين الأقباط وبرابرة المغرب العربي والمهاجرون وغيرهم يتلفظون بكلمات مسيئة للإسلام، ولم يسبق لشيخ أو إمام في الجزائر والوطن العربي أن تصدى لهذه الحملة التشويهية للإسلام، ولا أتحدث عن المواقع الإلكترونية، فهذا حديث ذو شجون. * حصة »الدين والتاريخ« التي تابعتها ليلة الثلاثاء الماضي في قناة "الحياة" تحمل الكثير من »البذاءة والقبح« في حق الإسلام والمسلمين. * أيعقل أن يكون همّ شيوخ الدين في وطننا العربي هو محاربة الذي يفكر علنا من أبناء جنسهم والتخفي مثل النعامة عندما تطمر القنوات المسيحية سما على المشاهدين لها؟ * لدينا في الجزائر 81 ألف جمعية، وهناك 310 جمعية قدمت ملفات للاستفادة من الدعم الأوروبي للمجتمع المدني الجزائري، وقد تم قبول 100 مشروع مقابل 10 ملايين يورو، لكن هذه الجمعيات لم نعثر لها على وجود في الكوارث التي ألمت ببلادنا من زلازل وفيضانات. * الموظف السامي في الجزائر يزيد راتبه عن 300 مليون، والطالب الجزائري ما يزال يأكل وجبته الكاملة ب (120) دينار وعشرين سنتيما بالرغم من أن سعر التذكرة الواحدة هو أكثر من الثمن المكتوب عليها، وكأن السلطة تعلم جيل المستقبل على »الدينار الرمزي« حتى يقتدي بها في النهب. * يحز في نفسي حين أفتح »الكتاب الذهبي« للجزائر في عهد فرنسا وأجد صور عائلات وهي تقدم الولاء للمعمرين واليوم يتحدث أفرادها عن الوطنية والوطن. * ويحز في النفس أكثر حين تكتب صحفا كبيرة في الجزائر، في صفاحتها الأولى، بأن أدونيس »يزور الجزائر لأول مرة« وتتجاهل زياراته السابقة ومحاضراته، يكفي أنه أول عربي يطلب منه أن يلتحق بالجامعة للتدريس وعندما يكتب طلبه بالعربية تصر الجامعة على فرنسته فيرفض ذلك احتراما للبلاد التي يعرف أهلها. واليوم يتهم ب (الكفر والإلحاد) أيعقل أن من يرشح عدة مرات لجائزة نوبل، ويرفضه اليهود، لأنه يحمل فكرا عربيا، يكون في الصف الآخر؟ * يبدو لي أن من حدثوا فضيلة الشيخ شيبان عن أدونيس لا يعرفونه، ومن يقرأ محاضرته لا يجد فيها إلا نكر »الممانعة« بمفهوم المقاومة في لبنان، وربما يجد كذلك من آثار »الهاوى العلوى« بعض اللقطات التاريخية، ولكنه لا يستطيع أن يطعن في أفكاره، مهما اختلفنا معها. * كان الفقيد عبد اللطيف سلطاني أول من تنكر لفكرة »الشهداء« في كتابه »سهام الإسلام« الذي صودرت طبعته الثانية، وكان أول من يدافع عن الخلافة في مصر محمد الخضر حسين، ولكن الإخوة في مصر نشروا كتاب »الإسلام وأصول الحكم« الممنوع عام 1925 بسبب موقف الملك ودعم الأزهر له، وملخص الكتاب هو أن الخلافة ليست ركنا من أركان الإسلام ولا أصلا من أصوله، وتجاهلوا الرد عليه. * أعاد المصريون الاعتبار للدكتور علي عبد الرازق ولم يعد شيوخ الإسلام طبع كتاب محمد الخضر حسين »نقض الإسلام وأصول الحكم«، ربما لجهلهم لمضمون الكتابين. * وأصدر طه حسين عام 1926 كتابه »في الشعر الجاهلي« فاتهم بالطعن الصريح في القرآن الكريم لكن القضاء المصري استبعد الغرض من أن يكون المؤلف يريد الطعن أو التعدي على الدين، وأصدر الشيخ عبد الرازق السنهوري كتابا آخر عام 1952 وهو »أصول الحكم في الإسلام« فأقصته السلطات المصرية من شؤون الدولة. * ولهذا أتساءل: متى نناقش الفكر عوض أن نحكم على أصحابه بالإلحاد؟ ومتى نطلق سراح »حرية التفكير« عوض أن نرهب أصحابها. * جمعية العلماء المسلمين تعرضت للاضطهاد، وتعرض أعضاؤها للنفي والتشريد، ويدركون ما معنى أن نجرد الآخر من »عقيدته« ولا أعتقد أن فضيلة الشيخ شيبان كان يريد اضطهاد الفكر من خلال بيان جمعيته، ولهذا نخشى أن يوظف بيان الجمعية لمنعنا من الدفاع عنها في حال عودة »الفرنصيص« إلى بلادنا ذات يوم.