عبد العزيز بلخادم/ تصوير: علاء الدين.ب بهدوئه المعروف، وتواضعه المعهود، وبعيدا عن الإجراءات البروتوكولية الزائدة، استقبل عبد العزيز بلخادم "الشروق اليومي" في مكتبه بالمقر الوطني للحزب في حيدرة.. * * *الرئاسيات ليست مغلقة وزيارات بوتفليقة وقراراته من صميم صلاحياته * وفي حوار لم تنقصه الصراحة، عاد الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني والممثل الشخصي لرئيس الجمهورية إلى قضية استخلافه على رأس الحكومة بشيء من التفصيل، رادا حول ما قيل عن إقالته وكذا ما دار بينه وبين الرئيس. * كما تحدث بلخادم عن مصداقية الانتخابات الرئاسية واستغل الفرصة ليرد على الانتقادات الموجهة للمرشح عبد العزيز بوتفليقة بشأن استعماله إمكانيات الدولة في حملة انتخابية مسبقة، وعرج على الموقف الجزائري من العدوان على غزة، وصوم الرئيس عن الكلام في هذه القضية، وكذا على العلاقات الجزائرية المغربية، والقضايا العربية والإقليمية. * * الشروق اليومي: كيف تعلقون على قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية، وهل قائمة الأسماء التي اجتازت عتبة المجلس الدستوري تضفي على موعد أفريل المقبل المصداقية المطلوبة؟. * بلخادم: لا ينبغي التقليل من شأن الناس، وكل شيء يبدأ صغيرا ثم يكبر، كل من ترشح للانتخابات الرئاسية جدير أن يهتم به وبأفكاره وبرامجه. الآن بين المرشحين لا بد من مفاضلة.. والمفاضلة هي التي يأتي بها الناخبون بالأغلبية بناء على ما يرونه هو الأصلح. المرشح بوتفليقة صحيح أنه كان رئيسا لعهدتين، والإنجازات التي حققها تعطيه سبقا في الوسط الشعبي وتمكنه من أن يعمل براحة خلافا للذين ليسوا معروفين أو برنامجهم لا زال مبنيا على التسويف. ولكن هذا لا يقلل من شأن الآخرين. لو أتيح للناس أن يختاروا من يدخل السباق لرأوا الكثير من الوجوه التي تعتبر أوزانا ثقيلة، لكن ما الذي منعهم من أن يرشحوا أنفسهم. * * الشروق اليومي: الذي منع "الأوزان الثقيلة" من الترشح هي المعطيات الراهنة التي تطبع الحياة السياسية، فهم يرون أن اللعبة مغلقة، وبالتالي فمشاركتهم سوف لن تتعدى لعب دور الأرنب؟. * بلخادم: إذا كان كما يقال "اللعب مغلق"، يمكن قراءة ذلك من وجهين. إذا كانت القراءة يفهم منها الغش والتزوير فهذا مرفوض وغير مقبول على الإطلاق، لأن الدولة تسهر على تنظيم انتخابات شفافة ونزيهة يحضرها ممثلو المرشحين ومناضلو الأحزاب التي تدعم المرشحين، أو المراقبين من الأشقاء والأصدقاء الأجانب. أما إذا كانت القراءة مفادها أن اللعب مغلق، لأن أنصار المرشح عبد العزيز بوتفليقة كثر، فهذا لا يمكن أن ننكره، لأن بوتفليقة مدعوم بأكبر الأحزاب السياسية وكذا بالمنظمات الجماهيرية الكبرى وفعاليات المجتمع المدني. * * الشروق اليومي: وجهت انتقادات للمرشح بوتفليقة على خلفية الزيارات الأخيرة التي قادته لبعض الولايات، وكذا للإجراءات التي أطلقها، مثل رفع منحة المعوقين وطلبة الجامعات وكذا المتربصين بالتكوين المهني وو...، وهو ما اعتبر حملة انتخابية مسبقة، ما قولكم؟ * بلخادم: بوتفليقة هو رئيس جمهورية إلى أن يتم انتخاب مرشح من المرشحين الذين قبلت ملفاتهم على مستوى المجلس الدستوري، وبالتالي فهو يتصرف من موقعه كرئيس. الأمر الثاني هل ما قام به نافع للشعب الجزائري أم لا؟ أعتقد أن الإجراءات التي تحدثت عنها مفيدة للشعب الجزائري ولا يمكن أن ينكر ذلك عاقل. * * الشروق اليومي: هناك مخاوف من أن تكون نسبة المشاركة ضعيفة في الانتخابات الرئاسية المقبلة على غرار ما حدث في التشريعيات، بسبب الغلق المستمر للساحة السياسية، هل أنتم منشغلون بذلك؟. * بلخادم: يجب التأكيد على أن نظرة الأوساط الشعبية للانتخابات التشريعية ليست هي ذاتها بالنسبة للانتخابات الرئاسية، لأن دور البرلمان ليس مفهوما بشكل جيد لدى عامة الناس. فصناعة القوانين ليست بالضرورة من الأهميات التي ينشغل بها المواطن، وهذا ينعكس على مشاركته في الانتخابات. إضافة إلى ذلك تعدد الأشخاص والقوانين والنزعات التي تحرك المجتمع، سواء كانت قبلية أو حزبية أو غيرها، كلها تؤثر على نسبة المشاركة. بالنسبة للرئاسيات يختلف الأمر تماما، لأن الأمر يتعلق بالقاضي الأول في البلاد الذي يقود البلاد ويصنع القرار. * * الشروق اليومي: اتهمت أوساط من حزبكم التجمع الوطني الديمقراطي بالسيطرة على مديريات الحملة الانتخابية للمرشح بوتفليقة، وكذا على مداوماته في أهم الولايات، ماذا تقولون؟. * بلخادم: لا بالعكس؛ الجبهة متواجدة بقوة إلى جانب المرشح بوتفليقة، والأهم من ذلك هو أننا نشتغل من أجل نصرة مرشح هو مرشحنا جميعا، وبالتالي أين الأهمية في الألقاب والمناصب، العبرة بالنتائج، وجبهة التحرير الوطني لا تكترث بهذا إطلاقا، بل تعمل مع مديرية الحملة من أجل تنشيط الحملة الانتخابية وإقامة التجمعات والمهرجانات عبر ولايات ومدن البلاد. * * الشروق اليومي: وماذا عن نصيب حزبكم من نشاطات الحملة الانتخابية المرتقبة في 19 مارس الجاري؟. * بلخادم: أنا سأشرف شخصيا على تنشيط حوالي 60 تجمعا على مستوى الدوائر ذات الكثافة السكانية الكبيرة، وحوالي 14 تجمعا على مستوى مقرات الولايات، وهذا ما اتفقنا عليه مع إخواننا في أحزاب التحالف والمنظمات الجماهيرية المساندة لمرشحنا. * * الشروق اليومي: برأيكم ما خلفية اختيار المرشح بوتفليقة أن يكون مستقلا بالرغم من كونه رئيسا شرفيا لحزبكم ومدعوما من طرف أحزاب التحالف؟. * بلخادم: بوتفليقة قال أنا مناضل في جبهة التحرير وكنت مجاهدا في جيش التحرير الوطني. وقال أيضا أنا ترشحت مستقلا، ومعنى ذلك أنه لا ينفي انتماءه السياسي، وكونه ترشح مستقلا فذلك لأنه قاد البلاد. والرئيس هو رئيس كل الجزائريين، وبالتالي يطمح في أن يكون الدعم يتجاوز أحزاب التحالف، فلهذا فضل أن يكون مرشحا مستقلا، ونحن في جبهة التحرير الوطني حبذنا ذلك، وقد لاحظتم في اجتماعات الهيئة التنفيذية والمجلس الوطني أننا لم نقل "نرشح بوتفليقة"، وإنما قلنا "ندعم ترشح بوتفليقة"، لأننا نريد له أن تكون القاعدة الشعبية التي تدعمه أوسع من قاعدة حزب جبهة التحرير الوطني، وأحزاب التحالف. * * الشروق اليومي: تحدثت بعض الأوساط السياسية والإعلامية عن إقالتكم من على رأس الحكومة واستخلافكم بأويحيى، ما حقيقة ذلك؟ * بلخادم: منظومة الحكم في الجزائر مفادها أن رئيس الجمهورية هو رئيس السلطة التنفيذية، يعين من يريد متى يريد بالنظر إلى الظروف التي يراها تناسب هذا الشخص أو ذاك. وبالتالي أنا لا أرى فيها، هذه الأبعاد التي تحدثتم عنها، إلا اجتهادات لبعض الأقلام الصحفية. ولو كانت القضية إقالة ما الذي يجعل الرئيس يعين السيد أحمد أويحيى مجددا على رأس الحكومة، ويعينني أنا ممثلا شخصيا له في الحكومة، أي أتحدث باسمه. هذا دليل على أن الأمر ليس إقالة، وإنما القضية من صلاحيات الرئيس يستعملها وفق ما يراه ضروريا في إطار التوازنات والظروف التي تقتضي هذا التغيير. * وأقول بهذا الصدد إن البعض من الذين لا يملكون مصادر الخبر يكتبون أمورا لا تمت إلى الواقع بصلة. وأؤكد بأنني كنت على اتصال مستمر مع الرئيس قبل التغيير وأؤكد أيضا بأن الأمر تم بالتشاور بيني وبين رئيس الجمهورية. * * الشروق اليومي: منذ ذهابكم من على رأس الحكومة خسر حزبكم مواقع وزارية منها مثلا الحقيبتان اللتان كانتا بحوزة بوجمعة هيشور وعبد الرشيد بوكرزازة، واحدة منهما ذهبت للغريم الأرندي، ماذا تقرؤون في ذلك؟. * بلخادم: لو كان النظام برلمانيا فسيكون سؤالكم منطقيا، لكن ما دام الأمر يتعلق بائتلاف حكومي فالأمر يصبح شيئا آخر. لقد سبق لجبهة التحرير أن قادت الحكومة وهي أقلية في البرلمان، والآن هي تملك أغلبية في البرلمان والوزير الأول من حزب آخر. معنى ذلك أن منطق النظام البرلماني غير مفعّل في دستورنا الحالي. * * الشروق اليومي: أشار الرئيس بوتفليقة في خطاباته إلى ترقية ميثاق السلم والمصالحة، هل معنى ذلك أن الدولة مقبلة على آلية جديدة خلال العهدة الثالثة لبوتفليقة؟. * بلخادم: المصالحة الوطنية هي عمل سياسي، والعمل السياسي يهدف إلى تحقيق غايات، والغاية من المصالحة الوطنية هي أن نصل إلى انسجام كلي بين أفراد المجتمع دون احتواء ودون تهميش. وهذا العمل السياسي كلما اقتضى اتخاذ تدابير يجب أن تتخذ. والمهم هو تحقيق الهدف الذي يفضي إلى الانسجام والتوافق بين الجزائريين، بما يجعلهم مطمئنين على مشاركتهم في العمل السياسي. وهذا أشارت إليه وثيقة المصالحة وكذا الرئيس في أكثر من خطاب عندما قال الباب لا زال مفتوحا، باستثناء اللجوء إلى العنف كوسيلة تغيير سياسي، باستثناء الإقصاء والاحتواء في التعبير عن الأفكار السياسية، وكل الباقي يفعله السياسيون في الساحة الوطنية بما يخدم الأمن والاستقرار وتجذير الممارسة الديمقراطية، هذا الذي نحبذه وندعو إليه. المصالحة الوطنية هي مصالحة بين متخاصمين، ولكن هي أيضا مصالحة بين المحكومين وحكامهم، مصالحة بين الجزائريين وأنفسهم بين الجزائريين وعمقهم بمختلف أبعاده. * * الشروق اليومي: أضحت الحكومة المغربية تطالب بفتح الحدود البرية بمناسبة وبدونها، وكان آخر مرة رفع هذا المطلب بمناسبة مرور قافلة المساعدات المتوجهة لغزة، فلماذا هذه المطالب المتكررة، وكيف ترد الجزائر على ذلك؟. * بلخادم: الجزائر سيدة ولا يمكن أن يضغط عليها، ونحن لا نستعدي أشقاءنا في المملكة المغربية. والجميع يعلم ما حدث في مراكش في 1993، وقد اتضح بشهادات من الأجانب أن الجزائر بريئة مما حدث، وفي الوقت الذي كنا ننتظر من أشقائنا العرب والجيران أن يفكوا عنا حصارا ظالما ليس بقرار من مجلس الأمن، فرضت علينا التأشيرات، وكان ينظر إلينا على أننا إرهابيون.. كان من الأحرى والأولى أن يفتحوا أبوابهم لنا، لأننا كنا في مواجهة الإرهاب والحصار الذي كان مضروبا على الجزائر.. صحيح أن الحدود لن تبقى مغلقة إلى الأبد، ولكن يجب أن يعمل الطرفان على أن تكون المصلحة مشتركة بيننا وبين أشقائنا في المغرب. * يجب أن تحل المشاكل العالقة بيننا وبينهم في أكثر من مجال، مثل المجال الأمني، الهجرة غير الشرعية، التهريب، والسياسة والدبلوماسية، قبل تقاسم المنفعة ويستفيد كل طرف من الآخر. ومع ذلك يمكن القول إنه رغم أن الحدود مغلقة فإن حجم التبادل التجاري مع المغرب يفوق حجم التبادل التجاري مع بقية الدول المغاربية الأخرى التي حدودنا مفتوحة معها. * * الشروق اليومي: ألا ترى أن في هذه الإجابة شيئا من البراغماتية الوطنية؟. * بلخادم: الاستفادة ينبغي أن تكون مشتركة، نحن لسنا ضد أن يستفيد أشقاءنا في المغرب من فتح الحدود، ولكن نحن نصر على أن تستفيد الجزائر أيضا من هذا الإجراء، فبرفع القيود على اللجان المشتركة التي تعمل على حل هذه المسائل العالقة نصل إلى الوضع الذي يرضي الطرفين. * * الشروق اليومي: نفهم من كلامكم أن اللجان المشتركة مجمدة؟ * بلخادم: نعم حتى الآن هذه اللجان لا تشتغل. * * الشروق اليومي: لماذا؟ * بلخادم: لا أدري. حتى الآن لم نصل إلى حل هذه المشاكل العالقة. * * الشروق اليومي: ماذا لمست الجزائر في زيارة المبعوث الأممي الخاص بالصحراء الغربية الذي زار المنطقة مؤخرا؟ * بلخادم: تصريحاته كانت واضحة، وأنه بعدما سمع من الأطراف فهم جيدا قضية الصحراء الغربية، ومن بين ما جاء في تصريحاته أنه كان يكرر دائما حق تقرير المصير، وما يطلب من الأممالمتحدة هو أن يمكَّن الشعب الصحراوي من تقرير مصيره، وأن يترك له الخيار في أن يدمج في المملكة المغربية أو أن يكون له حكم ذاتي تحت السيادة المغربية أو مستقلا عن السيادة المغربية، وهذا يتطلب تفعيل لوائح الأممالمتحدة، وذلك بتنظيم استفتاء حر ونزيه يمكن الصحراويين من الحسم في مسألة مصيرهم. * * الشروق اليومي: وصف الموقف الجزائري من العدوان الصهيوني على غزة بأنه "أشرف مما هو موجود وأقل مما هو معهود"، هل في ذلك توصيف عادل؟. * بلخادم: أقاسمك الموقف في الشطر الأول من العبارة، "أشرف مما هو موجود نعم"، لكن ليس أقل مما هو معهود إطلاقا، لأن الجزائر في ما سبق كانت داعمة للفلسطينيين وما زالت، "أشرف مما هو موجود" لأن الجزائر تعتبر أن أهم سلاح يواجه به الفلسطينيون عدوهم هو وحدة الصف، ولذلك الجزائر لا تدخل في الخصومات بين الفلسطينيين ولا ترغب في ذلك، بل ترغب في توفير الأجواء للفلسطينيين من أن يسترجعوا قوتهم بتوحيد صفوفهم، ونحن جد متفائلين بما تم مؤخرا فيما يتعلق بالحوار الفلسطيني الفلسطيني، سواء تعلق الأمر بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية أو إعادة بناء الأجهزة الأمنية على أسس وطنية وليس حزبية أو فئوية، أو فيما يتعلق بدعم المقاومة بشقيها لاسترجاع الحقوق من أجل إقامة الدولة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية دون التفريط في أي حق من الحقوق، سواء تعلق الأمر بالماء أو بالحدود. * * الشروق اليومي: يقول البعض إن الموقف الجزائري من العدوان الصهيوني على غزة، شابه بعض الغموض، حتى وإن لم تتخلف عن قمة الدوحة التي عزفت عنها ما يعرف بدول الاعتدال. غير أننا لم نسمع من الرئيس بوتفليقة تصريحا واحدا حول غزة سواء في قمة الدوحة أو قمة الكويت ولا في غيرهما؟. * بلخادم: الجزائر وفية لمبادئها ولا تخشى لومة لائم في ذلك، سواء تعلق الأمر بقضية الصحراء الغربية أو القضية الفلسطينية أو العراق أو وحدة السودان. وحضور الجزائر في قمة الدوحة هو دعم في حد ذاته للقضية الفلسطينية. وأستطيع أن أؤكد أن الخطاب الجزائري لم يتغير قبل قمة الدوحة أو بعدها، قبل قمة الكويت أو بعدها، نحن لا نريد إحراج الآخرين بالمواقف التي يعتبرها البعض مزايدة عليه. * * الشروق اليومي: الجزائر ثالث دولة عربية من حيث الدعم المالي لإعادة إعمار غزة، بعد كل من السعودية وقطر، بتقديمها 200 مليون دولار، ما مصير هذا المبلغ في ظل الجدل الدائر حول من تسلم إليه أموال الإعمار؟. * بلخادم: نحن لا نخرج عن الإجماع العربي الذي يتحدث عن آلية عبر ما يتفق عليه، لأن هذه القضية ليست قرارا جزائريا، ونحن ننتظر ما يتفق عليه العرب والفلسطينيون، وما سيسفر عنه الحوار الفلسطيني -الفلسطييني.