ليس هناك مشكلة مالية في الجزائر بقدر ما هنالك مشكلة تسيير وثقة. لماذا يرفض الجزائريون دفع الضرائب أو يتهرَّبون منها؟ ولماذا يُحبِّذون السوق الموازية على السوق النظامية؟ لا أعتقد أن كل هذا العدد الكبير من أصحاب المال الذين نتحدث عنهم يرفضون الامتثال للقانون أو يرفضون القيام بواجباتهم تجاه الدولة أو هم متحايلون بطبيعتهم أو أنهم خُلِقوا كذلك، بل إن هناك أسبابا عميقة ما فتئت تدفعهم إلى ذلك أو تمنعهم للامتثال للقانون، ينبغي أن نعالجها إذا ما أردنا بحق عودة اقتصادنا الوطني إلى حالته الطبيعة كما كل الدول التي تعرف ديناميكية في هذا المجال. ولعل أهم ما ينبغي أن نبدأ به في مستوى أول هو بناء الثقة بين المواطن والقائمين على الشأن العام، وتقديم الضمانات الحقيقية أنَّ أموال الناس التي ستوضع في البنوك الحكومية أو الخاصة ستقع بين أيادٍ أمينة لن تبذرها ولن تسيئ استخدامها أو تساعد على نهبها بطريقة أو بأخرى. وفي مستوى ثانٍ تقديم ضمانات أخرى لأصحاب المال المشروع أن الجهات الرسمية لن تتراجع بعد سنة أو سنتين عن وعودها وعن تشجيعاتها لإيداع الأموال بالبنوك وتقوم بتعديلات ضريبية على مزاجها أو تسارع للإعلان عن تحقيقات عن الثروة تخيف النزهاء قبل المحتالين. بمعنى آخر أننا لا يُمكن أن نجد حلاّ للمشكلة المالية التي تعرفها بلادنا ومشكلة السيولة النقدية ومسألة السوق الموازية إلا إذا بدأنا من حيث ينبغي أن نبدأ، إعادة الاعتبار لشرعية المؤسسات المسيِّرة والقائمين عليها، وإعادة الاعتبار للسُّلطتين التشريعية والقضائية بحيث يطمئن المواطن أنه لن يُظلَم بقوانين جائرة جديدة، وإذا ظُلم فهناك قضاءٌ مستقلّ سيُنصفه ويُعيد له حقوقه. ومثل هذه الإجراءات لا يمكنها أن تتم إلا ضمن رؤية شاملة تضمن جوانب الحلّ السياسي والحلّ الاقتصادي وباقي الحلول الأخرى المتعلقة بالقيم والتربية والأخلاق والعرف الذي يحكم المجتمع. أما أن نبقى نُمنِّي النفس بأن الأمور ستأخذ مجراها الطبيعي تدريجيا من خلال الوعود التي يتم إطلاقها بين الحين والآخر من قبل هذه الحكومة أو تلك، فذلك لن يحدث. كذلك أن نُهدِّد الناس بمزيدٍ من العقاب والمتابعة والتضييق والرقابة على أموالهم لن يزيدهم إلا تهرُّبا وابتعادا عن المسار الطبيعي الذي ينبغي أن تكون عليه أي دولة تعرف حالة متوازنة في مختلف القطاعات. علينا أن نعمل معا لأجل الحلّ الشامل الذي يأخذ بعين الاعتبار مختلف جوانب المشكلة لا جزءا منها، وأن نكون جميعا ضد الاستمرار في سياسة التلفيق والتردُّد وبيع الوهم التي أثبتت عدم جدواها وباتت تولد ميتة حتى قبل ولادتها.