اعتاد الجزائريون على اقتناء الكتاب الديني والتاريخي والمدرسي والجامعي من المعرض الدولي للكتاب. غالبا ما كانت هذه الكتب تحظى بالأولوية لديهم، لتأتي المؤلفات الأخرى تِباعا مثل الرواية والقصة وكتب الثقافة العامة... ورغم بقاء الإحصائيات المتعلقة بماذا يقرأ الجزائريون غير متاحة للجميع أو هي غير مُعدَّة أصلا بطريقة إحصائية دقيقة وغير منشورة للرأي العام لكي يجري تحليلها من زوايا مختلفة من قِبل المختصين، إلا أن بعض الانطباعات الأولية التي وصلتنا عبر وسائل الإعلام تُشير إلى بروز نوع جديد من القراءات لدى الجمهور الواسع. ويتعلق الأمر بمؤلفات "التنمية البشرية وكيفية تطوير الذات" التي أصبحت، كما هو حال التدريب في هذا المجال، تعرف رواجا في الآونة الأخيرة... فأي دلالة لذلك؟ القراءة الأولية التي أقدِّمها للأمر أن هناك تطلعا كبيرا لدى فئات واسعة من المجتمع للخروج من الحالة السلبية التي أصبحت أكثر من ضاغطة على حياتهم، وفي مقدِّمتها البحث عن الإجابة عن كيفية معالجة حالة اليأس وانهيار الثقة في الإمكانات الذاتية التي أصبحت تحكم الكثير من الناس.. ويُعدُّ هذا استمرارا وأحيانا تحويرا لِما كان يقوم به الكتاب الديني، بمفرده، في العقدين الماضيين. إن مؤلفات مثل "أسرار النجاح" أو "بذور القيادة" أو "السيطرة على النزعات السلبية" أو "إدارة الغضب" المستمَدة في الغالب من مناهج التعليم الغربية أصبحت تنافس مؤلفات مثل "لا تحزن" أو "سبيل النجاة" أو "عشرون موقفا إيجابيا من الأحاديث النبوية الشريفة" المستمَدة من تراث المسلمين، كما أصبحت تُقدِّم طرحا منهجيا، أحيانا متطابقا وأخرى مناقضا، لكيفية بناء الشخصية المتوازنة لدى الفرد المسلم، خاصة عندما تغوص في قضايا مثل الإيمان والصبر والرضا ومعاملة الآخرين... ولعل هذا ما ينبغي أن يستوقفنا اليوم: ينبغي ألا نهرب من أسلوب معالجة "تطوير الذات" فيه بعض المغالاة الناتجة عن قصور في فهم الدين، أو مذهبية ضيِّقة، لنقع في أسلوب معالجة ذات "المرض" من خلال أساليب مستحدَثة مازلنا غير متحكمين فيها. إننا بحق في حاجة إلى تعزيز التنمية البشرية لدينا، وإلى كل مؤلف أو تدريب يرفع من شأن القدرات الفردية ويجنِّبها الفشل أو الوقوع في الاحباط واليأس، إلا أن ذلك ينبغي أن يكون ضمن ضوابط الوعي بشخصيتنا وموروثنا الحضاري وجوهر ديننا الحنيف، وذلك جهدٌ ينبغي أن يُبذَل في أكثر من مستوى بحثي وتعليمي للاستجابة لطلب مجتمعي سيتزايد في السنوات المقبلة بحثا عن الخروج من حالة اليأس التي نعيش، وتعزيزا لبوادر الأمل التي أصبحت تلوح في الأفق ونحن نرى قراء يتطلعون إلى أن يُغيروا ما بأنفسهم.