أكد الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، أن قضية عودة إرهابيي "داعش" من بؤر القتال في الخارج إلى تونس، من أعقد وأخطر الملفات الأمنية المطروحة حاليا بفعل انعكاساتها المتوقعة ليس على الأمن القومي فقط وإنما على كامل بلدان الجوار". وشدد السبسي على أن "المسألة تحتاج فعلا لاتخاذ إجراءات استعجالية وقائية لتحييد هؤلاء". وألمح الرئيس التونسي إلى أن "القضية محل تشاور وتنسيق أمني على أعلى مستوى مع الجزائر، خاصة فيما يتعلق بضبط المراقبة على الشريط الحدودي المشترك وفحص هويات المقاتلين العائدين". وتابع السبسي إن "العديد من المقاتلين يرغبون في العودة، ولا يمكننا منع تونسي من العودة إلى بلاده، هذا أمر يكفله الدستور لكن الحكومة ستتخذ كافة التدابير الضرورية لتحييد المقاتلين التونسيين خدمة لاستقرار تونس ودول الجوار"، مبرزا أن "المشكلة تكمن أساسا في حصر هؤلاء العائدين وتحديد هوياتهم". وأكد السبسي أن الأرقام المتداولة في الإعلام حول عدد التونسيين المنخرطين في الجماعات الإرهابية مبالغ فيها. وكان رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، قد أعلن مؤخراً أن السلطات لا ترغب في عودة التونسيين من مناطق التوتر، مشيراً إلى أنها تملك قائمة رسمية بكل الذين سافروا إلى هذه المناطق وانخرطوا في أعمال إرهابية. كما أوضح أن السلطات ستعامل العائدين منهم بحزم، وستحاكمهم فور عودتهم إلى البلاد في حزمة جديدة من الإجراءات الصارمة وسط قلق متزايد من عودة المتطرفين من العراقوسوريا. وقال المستشار الإعلامي في الحكومة مفدي المسدي لوكالة الأنباء الألمانية "يتعين أن تتصرف تونس كدولة تنتمي إلى نادي الدول الديمقراطية، تونس تعاني نفس المشكل الذي تعانيه عدة دول أوروبية وفي العالم". وأثار هذا الملف الكثير من الجدل بين الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني بعد أن أعلنت الرئاسة بأنها لا يمكن دستوريا أن تمنع تونسيين من العودة إلى بلادهم وتجريدهم من جنسيتهم قبل أن تؤكد على الاحتكام إلى قانون مكافحة الإرهاب مع المتورطين في الأعمال الإرهابية. والخلاف قائم أيضا داخل التحالف الحكومي نفسه إذ أعلن رئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي عن أنه "ينبغي التعامل مع الموضوع بجدية وتحمل المسؤولية". وقال الغنوشي "لا يمكننا أن نفرض على الدول الأخرى (المواطنين) التونسيين. وأضاف "العالم مقسم إلى جنسيات وهؤلاء ينتمون إلى بلدنا"، لكن حزب حركة نداء تونس، الذي يقود الائتلاف الحكومي، أصدر بيانا أعلن فيه بشكل صريح رفضه عودة المقاتلين الذين تورطوا في أعمال إرهابية وأعلنوا مبايعتهم لتنظيمات إرهابية ورايات أخرى غير راية الوطن، وطالب الحزب بمحاكمتهم في الدول التي ارتكبوا فيها جرائم. وفي جلسة عامة في البرلمان يوم الثلاثاء المنقضي رفع نواب الحزب لافتات كتب عليها "لا لعودة الإرهابيين". ويتوقع أن تعلن الحكومة موقفها بعد مشاورات مع الأحزاب المعارضة وممثلي عدد من المنظمات الوطنية الذين قدموا مقترحات في التعاطي مع هذا الملف الشائك. وتقدر السلطات التونسية عدد المقاتلين التونسيين في سورياوالعراق وليبيا بنحو ثلاثة آلاف، لكن تقارير دولية ومن بينها تقرير صدر عن خبراء من الأممالمتحدة نشر في جويلية من العام الماضي قدر عددهم بنحو 5500. وأفاد وزير الداخلية الهادي مجدوب الأسبوع الماضي بأن عدد العائدين من بؤر التوتر ناهز 800 شخص، بعضهم ملاحق قضائيا، وآخرون يخضعون للمراقبة أو الإقامة الجبرية. وتواجه تونس انتكاسة جديدة أمام خطط تحسين صورتها في الخارج؛ بعد تورط أنيس العامري في حادثة الدهس في برلين التي خلفت الشهر الماضي 12 قتيلا، في ثاني هجوم كبير يقف وراءه تونسي في أوروبا خلال أشهر بعد حادثة الدهس المشابهة بنيس الفرنسية في جويلية 2016 التي خلفت 84 قتيلا.