استطاع الفيلم الفرنسي الوثائقي "في الطريق إلى المدرسة" لمخرجه باسكال بليسون، وإنتاج جمعية "التعليم فوق الجميع" القطرية، أن يدغدغ مشاعر جمهور قاعة الموقار الذين حضروا في إطار فعاليات أيام الفيلم الملتزم. وبرهن الوثائقي "في الطريق إلى المدرسة" الذي عرض مساء أول أمس، على أنه يمكن تحقيق عمل متكامل مليء بالمشاعر الجميلة دون الوقوع في العاطفة. ويأخذنا هذا الفيلم على مدار 77 دقيقة لمشاركة أربعة أطفال من جذور عرقية مختلفة في تنقلهم المحفوف بالمخاطر إلى المدرسة، فنسافر مع جاكسون صاحب العشر سنوات من كينيا الذي يقطع 15 كيلومترا يوميا مع شقيقته متحديا الحياة البرية وسط نباتات السافانا ويهرب من الفيلة حتى يصل إلى مدرسته ليحقق حلمه في أن يصبح طيارا. ونشارك زهيرة 11 سنة التي تعيش في الريف الأمازيغي المغربي ابتسامتها وهي تقطع مسافة 22 كيلومترا في الأسبوع وسط جبال الأطلسي الوعرة، لتصل إلى المسكن المدرسي الذي تبقى فيه طوال الأسبوع على أمل أن تمتهن الطب في المستقبل، كما نتحمس أيضا لحماس صموئيل 11 سنة من الهند وهو يقطع 4 كيلومترا على كرسي متحرك مهترئ يدفع به شقيقاه لأكثر من ساعة للوصول إلى المدرسة، وفي النصف الآخر من العالم حيث الأرجنتين نشعر بالقوة التي يمدنا بها كارلوس 11 الذي يقطع السهول ويجتاز حوالي 18 كيلومترا رفقة شقيقته ميكا ليصبح طبيبا في المستقبل وميكا معلمة. أربعة أطفال في عدد من المناطق الفقيرة في المغرب، كينيا، الأرجنتينوالهند، شكلوا قلب الوثائقي، هم من أماكن مختلفة ولكنهم اشتركوا في الرغبة ذاتها وهي حب التعليم، حيث يدرك هؤلاء أن التعليم فقط هو من سيسمح لهم بتحسين حياتهم، لذلك ينطلقون يوميا في رحلة مليئة بالتعب والعقبات والمخاطر، ويتحدون المستحيل في سبيل الحصول على المعرفة. هذا الرباعي الذي يقطع يوميا الصحاري والجبال من أجل رفع العلم في الساحة ومتابعة التعليم في القسم، يود أن تفتح له آفاق حتى يصير طيارا، طبيبا، أو امرأة حرة تنتقل من قرية إلى قرية لإقناع الفتيات والآباء الذين يتخلون عن التعليم بسبب الظروف القاسية بضرورة هذا الأخير. لا يحاول المخرج باسكال بليسون، تهريب أي شكل من أشكال البؤس، بل بالعكس يجسد من خلال عمله التفاؤل الذي يصنعه هؤلاء الأطفال بخطاهم وهم على قناعة تامة من نجاحهم مستقبلا، فيصنعون بذلك مشهدا فيه الكثير من الجمالية، كما أنه حقق هدفه المتمثل في اكتشاف طريقة الحياة التقليدية والبعد عن قنوات الاتصال الحديثة في تلك المناطق النائية. "في الطريق إلى المدرسة"، قصيدة رائعة للحياة، يجسدها الرباعي الصغير الذي يتحدى كل الظروف، كما نجح المؤلف في تمرير الرسالة واستطاع المخرج تصويرها. من الناحية التقنية كانت الصور والمناظر جميلة، كما أن المخرج اعتمد على اللقطات القريبة بشكل كبير، بالإضافة إلى الموسيقى التي رافقت الفيلم قد قامت بدورها الكامل، حيث أعطت لتلك اللقطات والصور أجنحة خاصة بها مكّنت المشاهد من التحليق معها. لابد من مشاهدة هذا الوثائقي حتى يمكن للمشاهد رؤية هؤلاء الأطفال على طبيعتهم، كما أن مشاهدته بالصوت والصورة ستجعل هذا المشاهد يقف أمام الحقائق التي تتجاوز القصص المخترعة في الأفلام لأنها حقيقية بممثلين حقيقيين، فهو سيرى أكبر تحد لأطفال لم يتجاوزوا الحادية عشر من العمر، ويترك المجال لأي شخص في أن يجد طريقته الخاصة لعكس مسار الأحداث ودعم المدارس لرعاية هذه الطبقة ومساعدتها في تكاليف التعليم لهؤلاء الأطفال الذين لا يعرفون مكان آخر أبعد من المكان المعزول الذي ولدوا فيه. يذكر أن سيناريو الفيلم لكاتبته ماري كلير جافوي، وإخراج الفرنسي باسكال بليسون الذي أبرز من خلال هذا الوثائقي قوة تناول الأفلام للقضايا المهمة للتحفيز من أجل اتخاذ خطوات مهمة. زينب بن سعيد