على غرار رفيق حليش، لم يبدأ عنتر يحيى ممارسة الرياضة بكرة القدم، بل برياضة الجيدو، كون والده كان يمارس هذه الرياضة. “تحصل أبي على لقب نائب بطل فرنسا في الرياضة العمالية، وكان يحمل الحزام البني” يتذكّر عنتر. وقد أراد يحيى الأب أن يتبع فلذة كبده نفس الطريق لما سجله في مدرسة خاصة بهذه اللعبة القتالية، “بقيت في هذه المدرسة بعض الوقت لكن أدركت بأنها لا تناسب رغبتي” يضيف قائلا مما جعله يقتفي آثار شقيقه الأكبر نور الدين الذي يقضي أغلب أوقاته في ميادين كرة القدم للمشاركة في مباريات ما بين الأحياء التي لا تكاد تنتهي.“بصراحة، جئت لكرة القدم من باب الصدفة، لكني والحق يقال وجدت ضالتي”، خاصة أنه كان يقطن بمدينة بلفور (شرق فرنسا) حيث تتواجد بها عدة جاليات أجنبية من عدة بلدان. كنا نشكل عدة فرق منها الجزائرية والمغربية والتونسية والبرتغالية والمالية ونتلاقى في مقابلات تلو الأخرى حيث لا تنتهي الدورات أبدا” يقول عنتر يحيى. “في سن الرابعة عشرة أدركت معنى العيش بعيدا عن المحيط العائلي” لما بلغ عنتر يحيى سن الرابعة عشرة، التحق بمركز التكوين لنادي سوشو الذي يبعد عن السكن العائلي بحوالي 30 كلم، “التحاقي بالمركز شكل منعرجا حاسما في حياتي مما جعلني أقتنع بصعوبة العيش بعيدا عن أهلي”، يؤكد يحيى الذي لم يحن للأطباق المعدة بالمنزل بل للدفء العائلي الذي يتشوّق إليه كل الجزائريين وهو ما يؤكده فيما يلي: ‘'إنه من الصعب جدا مغادرة البيت العائلي في مثل هذه السن ولو أن والدي كانا يزورانني عند نهاية كل أسبوع، كما يأتيان من حين لآخر لمتابعة إنجازاتي مع فريق مركز التكوين، لكن لا بد من دفع ثمن النجاح مقابل بعض التضحيات، خاصة كما أن خلال وجودي في مركز نادي سوشو كنا نتابع سويا دراستنا إلى جانب ممارسة كرة القدم، وهو ما يعتبر الأهم في نظر والدي لضمان المستقبل، كما أن نقاط الدراسة كانت جيدة إلى درجة أني كان يضرب بي المثل في النجاح الرياضي أو الدراسي. مما جعل مسؤولي المركز يمنحوني شارة القائد لدى الفئات الشبانية” يتذكر يحيى. “لو لم ألبّ دعوة الإلتحاق بالمنتخب الفرنسي، لتم تهميشي وتحطيم مشواري الرياضي” وقد كان تألقه ملفتا للنظر إلى درجة أنه تلقى في يوم من الأيام دعوة للالتحاق بالمنتخب الفرنسي لأقل من 17 عاما.”لقد تساءل العديد من الناس عن سبب التحاقي بالمنتخب الفرنسي، في وقت كنت أتفاخر جهرا بوطنيتي الجزائرية، لكن يجب الإدراك بأنه خلال تلك الفترة، لم يكن الشبان يحظون بالحماية الأمنية مثلما هي عليه الآن، ولأنه لو لم استجب لهذه الدعوة، لشطب اسمي وهمشت من طرف مسؤولي النادي الفرنسي، ومعنى ذلك نهاية مشواري الرياضي. وقد قبلت الدعوة لثلاثة أسباب وهي: عدم التفريط في مشواري الرياضي، جعل أهلي يفتخرون بي في نظر الفرنسيين، وجلب اهتمام مسؤولي الفاف” يوضح لاعب بوخوم الألماني. ولما نرى ما حدث عام 1998 لما توجت فرنسا باللقب العالمي تحت قيادة زين الدين زيدان، ندرك جيدا الدوافع التي أرغمت يحيى على قبول الدعوة وأيضا أن لاعبا جزائريا قد يكون مفيدا لفرنسا. كنت أول لاعب إستفاد من قانون “الفيفا“ عام 2003 ولم تمر الأمور مثلما كان يشتهيه اللاعب، حيث لم يتحمس الوالد الذي لم يستطع أن يفتخر بابنه وبتلك الفكرة التي تتعلق بارتداء الزي الفرنسي. “حينها لم يقل شيئا لكني فهمت بأنه لم يكن راضيا، حتى يوم صدور القانون الجديد للفيفا عام 2003 والقاضي بالسماح للشبان الذين حملوا ألوان منتخبات بلد الإقامة، الالتحاق بمنتخب الأكابر لبلدهم الأصلي، وهو ما كان يريده والدي حيث سعيت وبمساعدة رئيس الفاف محمد راوراوة لتحقيق هذا الهدف، إذ كنت أول لاعب في العالم يستفيد من هذا الإجراء الجديد، طالما كنت راغبا في ارتداء القميص الجزائري. يومئذ قال لي أبي: “كان قلبي يحترق غيضا لما أراك تلعب لمنتخب فرنسا، وشعر الديك والفيدرالية الفرنسية على قلبك، وكتمت غيظي عدة سنوات”، والآن والحمد لله أدافع عن ألوان بلادي الجزائرية إلى درجة أن أبي كاد يطير فرحا مما جعله يحصل على موافقة الفاف لمرافقة المنتخب الجزائري في رحلة على زمبابوي لمشاهدتي” يقول يحيى. “كنت متشوّقا إلى اللعب مع المنتخب الجزائري إلى درجة أني طلبت اللعب مع صنف الآمال” عنتر يحيى يتذكر تلك المرحلة من مشواره الرياضي بهدوء واطمئنان، والتي يعتبرها درسا من دروس الحياة، ليثني بالمناسبة على القرار الحاسم الذي كان وراءه محمد راوراوة من أجل السماح لمثله من الشبان بالالتحاق بمنتخب بلدانهم الأصلية. “أعتبر راوراوة أحد صانعي قانون 2003 وأيضا قانون 2009 الذي سمح لحسان يبدة ومراد مغني وجمال عبدون بالالتحاق بنا، هذا الكلام ليس من أجل تمجيده ومدحه بل نتيجة عمل جبار قام به وتبقى الجزائر شاكرة له مدى الحياة” يضيف عنتر الذي يتذكر أيضا الاستقبال الحار الذي حظي به من طرف رئيس الفاف لدى التحاقه بالمنتخب الجزائري حيث وجد حرارة كبيرة جعلته يحس بأنه فرد من أفراد العائلة الكبيرة وهو ما يفسره فيما يلي: “لما كنت في مركز التكوين بنادي سوشو كان المحيط صارما وكأنه نادٍ محترف، وهو ما يختلف لدى التحاقي بالمنتخب الجزائري الذي تسوده أجواء عائلية” يقول عنتر الذي فرح كثيرا بالتحاقه بمنتخب بلده الأصلي إلى درجة أنه طلب رفقة كريم زياني اللعب مع منتخب الآمال الذي كان يستعد لتصفيات الألعاب الأولمبية 2004. “لقد كان معنا في المنتخب مجيد بوڤرة الذي لم يلتحق بعد بالمنتخب الأول، وأتذكر أني سجلت هدفا مع المنتخب الأولمبي بملعب البليدة بعد فتحة من مجيد”. “أنظروا إلى السعادة الكبيرة ل يبدة ومغني وعبدون بعد التحاقهم بالخضر” اليوم وبوجود يبدة ومغني وعبدون، استعاد عدد كبير من الجزائريين المقيمين بفرنسا الروح الوطنية. “يكفي فقط أن نرى مدى سعادتهم بوجودهم معنا. اسألوهم فيجيبونكم بأن بعد كل ما شاهدوه بأعينهم، لن يتخلوا أبدا عن الجزائر ولن يستبدلوها بأي ثمن“ يقول يحيى الذي أعجب بالأخلاق العالية لهؤلاء اللاعبين بالإضافة إلى إمكانياتهم الفنية. “إنهم أبناء عائلة وهم سعداء بتواجدهم في أجواء عائلية حميمية” يردف قائلا دون أن ينسى أولئك الذي سبق لهم أن حملوا الزي الوطني على غرار عمري، بوزيد، زرابي ودهام الذين صالوا وجالوا مع المنتخب الجزائري وساهموا في نجاحه بصورة أو بأخرى مقدما لهم بالمناسبة التحية مؤكدا تعلقه بهم في كل وقت. لمّا يُعزف نشيد قسمًا أفكّر في جدي لا يفوّت عنتر يحيى أي فرصة لما يكون متواجدا مع المنتخب الجزائري في التفكير في جده الذي سقط في ميدان الشرف خلال الحرب التحريرية المباركة، خاصة أنه منذ نعومة أظافره بقيت صورة جده من أبيه راسخة في مخيلته رغم أنه لم يره تماما والذي تمنى أن يكون على قيد الحياة. “في سنة 1956 سقط جدي شهيدا على يد الاستعمار الفرنسي، وما حز في نفسي أنه استشهد على مرأى من والدي الذي كان يبلغ من العمر لحظة استشهاده 11 سنة، وهي ذكرى تؤثر في أي شخص، وكان والدي يذكرنا دائما بهذا المشهد المرعب حيث يحثنا على الاقتداء بمثال نحافظ عليه، وهو ما جعلني في كل مرة يعزف فيه النشيد الوطني قسما، أفكر في جدي رحمه اللّه”. “أستمع دائما إلى نشيد قسمًا وحتى في سيارتي“ ولم يكتف المدافع الدولي بهذا بل حفظ نشيد قسما عن ظهر قلب وكان ينصت إليه باستمرار في سيارته مع مجموعة أخرى من الأغاني، والذي يسره كثيرا مثلما يؤكده لنا حيث يجد لذة كبيرة في الاستماع لنشيد قسما لا لشيء سوى لأنه يرمز إلى وطنيته المقدسة من خلال سقوط جده في ميدان الشرف، وحتى جده من الأم كان مجاهدا والذي كان يحدّث عنتر كثيرا عن ذكريات الثورة المجيدة: “كل أفراد العائلة يقدسون الوطنية سواء أجدادي أو أعمامي وعماتي وأبناء العم لا يفرطون في وطنيتهم، ولما يلعب الفريق الوطني مقابلة تكون منطقة سدراتة في حالة تأهب قصوى على غرار كل مناطق الجزائر”. “شقيقي ياسين يُذكّرني بجدي“ لم يعرف عنتر جده الشهيد ولم ير أبدا صورته. “خلال تلك الفترة الاستعمارية، كان الجزائريون فقراء إلى درجة أنهم لا يستطيعون الذهاب عند المصور، كما أن عائلتي كانت تسكن بالدوار وليس بالمدينة، حيث لم يتسن لجدي أخذ صورة يحتفظ بها للأجيال اللاحقة” لكن يحاول عنتر أن يتخيل ملامحه حسب بعض التفاصيل التي أمده بها والده والذي أكد له أنه يشبه إلى حد بعيد شقيقه يسين. “لما أرى ياسين أتخيل بأني أرى جدي الشهيد رحمه الله” يذكر عنتر الذي يشبه من جهته أمه. “كل سنة أزور واد الحار حيث سقط جدي في ميدان الشرف” دأب عنتر يحيى على سنّة يقوم بها كل سنة وهي الزيارة السنوية للعائلة بقرية مسقط رأس أجداده. “لي شرف كبير وواجب مقدس أن أزور كل صيف دوارنا، وفي الطرق المؤدية إليه، نمر عبر المكان الذي استشهد فيه جدي رحمه اللّه ب “وادي الحار” ببلدية عين سلطان (ولاية سوق أهراس)، وهو مكان لن أنساه أبدا حتى ولو كان كل أفراد العائلة مقيمين بفرنسا. أنا ضد النسيان، علينا أن نكوّن ثقافة الذكرى لأن مليون ونصف المليون من الشهداء ماتوا من أجل الجزائر، وهذا أقل شيء“ يختم يحيى حديثه وهي طريقة يتبعها لمحاربة النسيان والتفكير دائما في جده الشهيد حتى ولو لم تكتب له الفرصة في معرفته، معتبرا إياه جزءا لا يتجزأ منه. ------------------------------------------------------------------------------- حكاية عنتر مع ليبي في الإنتير برز عنتر يحيى مع النادي الفرنسي “سوشو” مبكرا وهو في سن لم تتعد 18 سنة، حينها لفت ذلك البروز والتألق انتباه الأندية الكبرى التي تستثمر دوما في المدارس وتظفر بعصافير نادرة، فتلقى عرضا من النادي الإيطالي العريق “إنتير ميلان” وهو العرض الذي لم يتردد في قبوله على حدّ قوله : “لقد كان الأمر بمثابة المنعرج الحقيقي في مشواري الكروي، ومباشرة بعدما تلقيت العرض استشرت والدي في الأمر فقال لي بصريح العبارة: “عندما نقوم بعمل علينا أن ننهيه بطريقة جيدة، لقد باشرت مسيرة كروية احترافية، وعليك أن تواصلها بجدية وثبات”، وهي إجابة كان يقصد من وراءها ألا أتردد في قبول العرض، فتنقلت إلى “إنتير” بمباركة من الوالدين، وهناك مع “الإنتير” اكتشفت كرة القدم الحقيقية”، واستطرد بعدها ابن سدراتة البار والحار قائلا : “والله، هناك فقط اكتشفت أن المدافع هو عبارة عن فنان في مهنته، هم يهتمون بالدفاع كثيرا ويعتبرون مهمة المدافع فن لا بد منه، وهناك لعبت تحت إشراف مهندس ومعلم كبير اسمه “مارتشيلو ليبي“. “ليبي ظل يقول لي بإمكانك أن تكون لوران بلان الجديد“ وتزامن التحاق صخرة دفاع “الخضر” عنتر يحيى بالنادي الإيطالي العريق” إنتير ميلان” وتواجد المدرب الشهير “مارتشيلو ليبي” الذي تحول من جوفنتوس بعد مسيرة حافلة إلى “إنتير” بهدف نيل اللقب الذي انتظره النادي منذ فترة طويلة، وعن الفترة التي قضاها تحت إشراف هذا المدرب العملاق يقول يحيى عنتر : “الأكيد أن ليبي كان يعول عليّ كثيرا، بدليل أنه كان يحدثني كثيرا، وكان يطالبني بالعمل أكثر، بل ويلح في حديثه معي على القول : “أنت بإمكانك أن تكون لوران بلان الجديد”، كان بإمكانه أن يقارنني بمدافع إيطالي، لكنه فضل أن يقارنني بمدافع فرنسي، لأنه وبكل بساطة كان يدرك حينها أني لاعب في المنتخب الفرنسي للشباب”، وكان لذلك الخطاب انعكاس إيجابي على مسيرة عنتر يحيى الذي ومن تلك الفترة بدأ يحلم بالتألق في بلد المدافعين الكبار. تمكن أيضا من أخذ مكان “ديبيايجيو“ وخلال صائفة سنة 2000 تمكن يحيى عنتر من فرض نفسه وشارك في التربص التحضيري الذي قام به الفريق، وهو ما يعكس حقا الاهتمام الذي لقيه من المدرب “مارتشيلو ليبي”، وعن ذلك يقول مدافعنا : “الدليل على أن ليبي كان يعتمد ويعول عليّ كثيرا، هو إقدامه على منحي الفرصة في آخر لقاء تحضيري، حيث أدرجني أساسيا كوسط ميدان دفاعي في المنصب الذي تعود اللاعب الكبير “ديبياجيو” على شغله، وسعدت بذلك كثيرا، لاسيما وأني تحصلت على فرصة المشاركة في اللقاء كاملا”، ولم تدم فرحة يحيى عنتر سوى أسبوع واحد استدعي خلاله للقاء الأول من البطولة الإيطالية، والذي خسره “الإنتير” وهي الخسارة التي عجلت برحيل ليبي، “ليبي غادر، ومنذ رحيله لم أحصل على فرصتي ولو للحظة، لأن خليفته “ماركو تارديلي” راهن على ورقة اللاعبين المخضرمين وذوي الخبرة والتجربة، كان ذلك خياره، وكنت مجبرا على احترامه في الحقيقة رغم مرارته” ومنذ ذلك الحين تحول إلى الفريق الاحتياطي الذي شارك معه طيلة موسم (2000/2001) تحت إشراف شقيق اللاعب “فرانكو باريزي” الذي أوكلت له حاليا مهمة مساعدة المدرب البرتغالي “خوزي مورينهو” على رأس “الإنتير”، ورغم ذلك إلا أن مدافعنا تحدث عن خلاصة التجربة التي خاضها مع “الإنتير” قائلا : “رغم أنّي تمنيت لو واصلت مع الفريق الأول، إلا أني استفدت الكثير من تجربتي مع الإنتير، فمعه تعلمت كيف أدافع، وكيف أنتهج الخطط الدفاعية، ومعه نضجت تكتيكيا، ومعه تعلمت اللغة الإيطالية، ومعه حظيت بشرف التدرب تحت إشراف مدرب كبير اسمه مارتشيلو ليبي“. ----------------------------------------------- يُعامل كالملك عند الإيطالي “زوكي“ يتواجد ويعيش عنتر يحيى الآن ومنذ سنتين بمدينة “بوخوم” الألمانية، أين تعود على نمط المعيشة، فضلا على معرفته بكل أماكن هذه المدينة الجميلة والهادئة، بدليل أنه عندما يرغب في ارتشاف فنجان قهوة أو شاي الذي يحبه كثيرا فإن وجهته تكون دوما “المقهى المركزي”، أو المطعم الإيطالي “تافيرنا فينيزيانا” أين يتناول وجبة العشاء من حين لآخر رفقة الأصدقاء أو زملائه في النادي. “في ذلك المطعم أشعر بأني في منزلي، تجدني أتصرف كما يحلو لي كما أني أدخل يوما من باب الخدمات، وليس من باب المقبلين دوما على هذا المطعم من أجل تناول العشاء أو الغذاء”. ويعود ذلك إلى أن عنتر يعد صديق صاحب المطعم “زوكي” ذي الجنسية البوسنية، والذي يقيم في ألمانيا منذ سنوات، كما أن صداقة أخرى تجمعه بالنادل “بولو” البرتغالي الجنسية الذي يتقن اللغة الفرنسية جيدا، بل ليس ذلك فحسب بل إنه يتقن لغات عدة على غرار اللغات : “الفرنسية، الألمانية، الإيطالية والإسبانية والإنجليزية، دون أن ننسى اللغة العربية”، ما يجعل عنتر يتحدث في هذا المطعم براحته، وباللغة التي يريدها بما أنه هو الآخر يتقن نطق سبع لغات وفهمها، ولو أنه يفضل الحديث باللغة الإيطالية مع المعلم “زوكي“. “ساشا” يُذكّره بعلاج السبانخ “لو فينيزيانا”، هو أيضا المطعم المفضل لجميع لاعبي وأعضاء طواقم نادي “بوخوم” الألماني، وفي اليوم الذي التقينا فيه يحيى كان هناك “ساشا” وهو أحد مدلكي النادي، وهو نفس الشخص الذي كان يشرف على علاجه عندما كان يعاني من تمزق عضلي قبيل مواجهة مصر، ونتذكر أن المدافع الجزائري كان يخضع لبرنامج علاجي حاسم يعتمد على السبانخ “السلق”، وساشا هو من كان يحضر له محلول السبانخ هذا، وفي هذا الشأن يقول هذا المدلك : “بإمكاني أن أشهد على شيء، عنتر كان محفزا 100 بالمائة لكي يتعافى من إصابته، بدليل أنه كان يعالج حتى في الليل، ونادرا ما كنت ألمس تلك الرغبة الشديدة عند لاعب مصاب، كتلك الرغبة التي لمستها عند يحيى الذي بذل قصارى جهده لكي يقف من جديد على رجليه”، وتحت أنظار المعلم “زوكي” قام “ساشا” بعدها بتدليك عضلات رقبة عنتر يحيى وقال له بصريح العبارة : “الآن، هو جاهز للأكل“. هو في منزله حتى داخل المطبخ من المؤكد أن الوجبات التي يتناولها عنتر هي وجبات خاصة بالرياضيين، والتي تحتوي على : “السلطة، المعقرون، سباغيتي، الأرز”، ومن حين لآخر يتناول الأسماك عندما يقوم زوكي بتوفير هذا الطلب السريع، فضلا على أن الأكل يصل له كالملك، وعن ذلك يقول : “عندما نبعد عن الأهل والأحباب، نكون في أمس الحاجة إلى مكان كهذا، نشعر فيه بالدفء العائلي، وصدقني أن هذا الدفء لا أشعر به إلا وأنا في المطعم مع زوكي وبولو”، وهما الشخصان اللذان صارا يحبان الجزائر ويعشقانها بفضله، والدليل على ذلك أنهما قبل مباراة مصر حضّرا نفسيهما جيدا لمتابعة المباراة ومناصرة “الخضر” وكم كانت فرحتهما كبيرة لفوز الجزائر، ولصاحب الهدف التاريخي عنتر يحيى الذي كان وراء وصول الجزائر إلى كأس العالم بفضل الهدف الذي دك به مرمى الحارس عصام الحضري، هدف جعل عنتر يتحول إلى سلطان في هذا المطعم، فالكل يحبه ويعشقه من عمال هذا المطعم، وحتى الطباخين الذي يتشرّفون دوما بزيارته في المطبخ قبل أن يتناول وجبة الغذاء أو العشاء. ------------------------------------------------------------------------------- بوخوم كرّمته على لقبه كأحسن لاعب عربي سوء التفاهم الذي حدث بين إدارة بوخوم وعنتر يحيى بسبب مشاركته في كأس إفريقيا صار من الماضي الآن، بدليل أن المياه عادت إلى مجاريها بينهما من جديد، ولعل ما يثبت ذلك هو إقدام الإدارة على تكريمه عقب حصوله على لقب أفضل لاعب عربي من طرف القناة العربية “أم. بي. سي”، وهو التكريم الذي تم قبيل المباراة التي خاضها بوخوم ضد “بايارن ليفركوسن” يوم السبت الماضي، حيث منحت له لوحة عملاقة تحمل صورته بالقميص الجزائري، وراية تحمل ألوان الجزائر وبوخوم معا، بالإضافة إلى باقة ورد قدمت له من طرف “توماس إيرنست” المدير الرياضي للفريق الألماني وكذلك نائب الرئيس “بيتر سشوت” وذلك تحت أنظار وتصفيقات الآلاف من أنصار النادي الذين هتفوا كذلك مطولا بحياة عنتر يحيى وإسمه. ------------------------------------------------ زيدان المصري أراد أن يستفز عنتر، فبهدله فرانك قام المدرب الحالي لنادي بوخوم “هيكو هيرليش” والذي كان لاعبا سابقا في نادي “بوريسيا دورتموند” وسبق له وأن نال معه لقب رابطة الأبطال الأوروبية سنة 1997، بجلب مدلك نادي بوريسيا طيلة 25 سنة “فرانك”، هذا الأخير ومنذ نهاية نهائيات كأس العالم وهو يتلقى مكالمات هاتفية من اللاعب المصري “محمد زيدان” (ليس زيدان الحقيقي وإنما زيدان المزيّف)، يطالبه فيها قائلا : “قل ل عنتر يحيى أني بطل إفريقيا وأني هزمته برباعية نظيفة”، وهي المكالمات التي رد على واحدة منها فرانك يوما : “عليك أن تعلم، أنك ستستفيد من إمتياز لن يستفيد منه عنتر”، فرد عليه المزيّف زيدان : “وما هو هذا الإمتياز الذي تتحدث عنه؟”، فأجابه فرانك قائلا : “خلال الصائفة المقبلة، ستستفيد من راحة أطول مقارنة ب يحيى لأنه سيكون حينها منشغلا بنهائيات كأس العالم مع الجزائر”، وحينها تصوّروا ما فعله زيدان الذي أوقف المكالمة وأقفل السكة في وجه فرانك دون حياء أو حشمة، وهو أمر وإن دل على شيء فإنما يدل على أن حقنة أم درمان لا زالت تلقي بأوجاعها وآلامها على “زيزو” المزيّف إلى يومنا هذا. ------------------------------------------------------ سأتزوج قريبا وأريد تربية جزائرية لأبنائي أن تكون لاعب كرة قدم محترف، فهذا يعني أنك مطالب بأن تضحي بالعديد من الأمور والأشياء الهامة في حياتك، فعنتر ضحى منذ الصغر ولا زال يضحي، وأجبر على مغادرة عائلته وهو في سن لم تكن تتعدى 14 سنة، “لا زالت أمامي سنوات عدة سأمارس فيها كرة القدم، لكن عندما أعتزل، أهدف إلى تجسيد أمر واحد لا أكثر ولا أقل، وهو أن أضع كل وقتي تحت تصرف عائلتي، تحت تصرف زوجتي وأبنائي”، قبل أن يستطرد قائلا : “منذ فترة المراهقة لم أقض مثلا فترة شهر رمضان رفقة عائلتي، لم أحظ بشرف الخروج مع والدتي، لم تتح لي فرصة الحديث دوما مع إخوتي، عدا في فترات العطل النادرة جدا، زيادة على ذلك سأتزوج عن قريب وأرغب في أن يكبر أبنائي ويتربوا على الثقافة الجزائرية، مثلما رباني وعلمني والداي، وثق أن كل التضحيات التي أقوم بها اليوم هي من أجل عائلتي، وحتى أضمن لها عيشة رغدة وهنيئة في المستقبل“. ------------------------------------------------------ عنتر يرى نفسه أنسب في التجارة لو لم يُمارس كرة القدم لو أن يحيى لم يكن لاعبا في كرة القدم ما الذي كان سيكون ؟ سؤال أجاب عنه بدون تردد : “أنا متأكد من شيء وحيد، وهو أني لا أصلح لكي أكون خلف مكتب، روحي لا تتناسب وذلك، مثلما تتناسب والاحتكاك بالأشخاص لأني شخصية شعبية أحب الاختلاط والاحتكاك بالآخرين، ولذلك كنت أرى نفسي ممثلا تجاريا، أو في مهنة مرتبطة بالتجارة“. مافراج يبيع ألبسة يحيى ب 10 أورو فقط تتذكرون جيدا اللاعب الألباني “مارڤيم مافراج”، اللاعب المرح الذي ينشط في نفس مركز عنتر، والذي تجمعه علاقة وطيدة بمدافعنا، مافراج لا يضيع أي فرصة من أجل استفزاز يحيى حتى يخلق أجواء مرحة داخل المجموعة، على غرار ما فعله معنا هذه المرة : “هل تعلمون أن يحيى يرتدي ألبسة تابعة لعلامة إيطالية معروفة وشهيرة، وفي يوم من الأيام استغللت فرصة عدم وجوده، وأخذت ملابسه ووضعتها على طاولة تحت أنظار اللاعبين وشرعت أنادي: على من يرغب في أن يبرم صفقات مربحة، فأنا أبيع ملابس بأسعار معقولة جدا، لا يتعدى سعر القطعة الواحدة 10 أورو، وحتى بأقل من ذلك أنا مستعد لكي أبيعها لكم”، وهو تصرف لم يغضب عنتر يحيى الذي يعرف مزاج صديقه المرح. --------------------------------------------------------------------- ديديش وسيستاك موندياليان آخران في بوخوم لا يعد عنتر اللاعب الوحيد في بوخوم الذي سيحظى بشرف المشاركة في المونديال الإفريقي الصائفة المقبلة بجنوب إفريقيا، لأن مهاجم سلوفاكيا “ستانسيسلاف” مثلا سيكون حاضرا هناك، كما أن زميلا آخر له سيشارك بل وسيكون خصما له ألا وهو “زلاتكو ديديش” بما أنه ينشط في صفوف منتخب سلوفينيا، ما يوحي بأن مباراة 13 جانفي بين الجزائر وسلوفينيا بدأت مبكرا وقرعت طبولها باكرا أي من هنا في بوخوم. ----------------------------------------- عنتر يحيي: “أقولها اليوم بصراحة وبصوت عالٍ مرحبا ب لحسن في المنتخب الوطني.. هو لاعب كبير وقادر على إعطاء الإضافة ل الخضر“ خلال الجلسة التي جمعتنا ب “يحيى عنتر” أبى إلا أن يعطي رأيه حول قضية لحسن التي أسالت ولا زالت تسيل الحبر حتى الآن، وهي القضية التي ألقي فيها اللوم على ركائز المنتخب الوطني التي اتهمت بوقوفها في طريق انضمامه إلى صفوف “الخضر”، غير أن صخرة دفاعنا تحدث بكل شفافية قائلا : “المنتخب الوطني ليس ملكية خاصة لي أو لأي لاعب آخر، بل هو ملك لكل جزائري قادر على المساهمة في بنائه والمضي بالمنتخب نحو الأمام، ولذلك أقول بكل شفافية، صدق وصراحة، مربحا بلحسن في المنتخب الوطني، وأعد بأننا سنخصه باستقبال لائق كذلك الذي استقبلنا به كلا من مغني، يبدة وعبدون”. واستطرد بعدها محدثنا قائلا : “فليكن متأكدا أنه سيشعر بالراحة والسكينة منذ أول يوم سينضم فيه إلى صفوفنا، وسنشعره وكأنّه يلعب معنا منذ خمس سنوات، وهو شعور انتاب كل الوافدين الجدد مؤخرا، والمؤكد أن لحسن لاعب كبير قادر على إعطاء الإضافة للخضر“. ------------------------------------------------ الوالدة لا تُشاهد مبارياته على غرار كل الأمهات تحب والدة يحيى أن ترى ابنها وهو يفوز دوما ويتألق ويبرز في المباريات التي يخوضها سواء مع الجزائر أو مع ناديه الألماني، لكنها وللأسف الشديد لا تتمكن من الصمود أمام الشاشة الصغيرة لمشاهدة ابنها سوى لبضع دقائق فقط، والسبب يلخصه لنا عنتر قائلا : “هي تخاف كثيرا من رؤية الإصابات، فما إن ترى لاعبا ما سقط أرضا، لا تتحمل رؤية ذلك المشهد، فتقوم على الفور بالصعود إلى غرفتها، وتطلب من الآخرين أن يتصلوا بها ما إن تنتهي المباراة”. وعن الإصابات التي كان ابنها عرضة لها شخصيا يقول يحيى : “في كل مرة، تقوم بالصلاة والدعاء لي، كما أنها تخاطبني دوما وتقول لي “ابني احذر على نفسك وصحتك، وثق أن الله سيحفظك، وهو الكلام الذي يؤثر في نفسيتي كثيرا“.