تطرق أبواب كل من وزارتي الصحة والتضامن الوطني يوميا عشرات إن لم نقل مئات النداءات، يطلب فيها أصحابها من هاتين الهيئتين التكفل بحالاتهم الصحية وتمكينهم من التوجه للعلاج بالخارج، منهم من يلقى الرد الإيجابي ومنهم من يغير وجهته مباشرة متجها نحو جمعيات مساعدة المرضى عله يحصل على قيمة العلاج، إلا أنهم ونظرا للإمكانيات الشحيحة لهذه الجمعيات يجدون أنفسهم مضطرين للقبول بقضاء الله وانتظار دورهم في إحدى قائمتي الوزارتين، بحيث تمنعهم عزة النفس عن طرح نداءاتهم عبر وسائل الإعلام لاستمالة ذوو القلوب الرحيمة. يعاني العديد من المرضى ممن هم بحاجة إلى الخضوع للجراحة في صمت، معلقين على مرور الوقت والأيام الآمال الكبيرة في أن تلقى طلباتهم التي سبق وأن توجهوا بها إلى وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات أو إلى وزارة التضامن الوطني ردا إيجابيا تعلن فيه موافقتها على التكفل بهم من أجل العلاج في الخارج بعدما ضاقت بهم السبل وقهرهم الفقر، مشكلا بينهم وبين الشفاء حاجزا منيعا لا يمكن أن تكسره سوى التفاتة صادقة من المحسنين. مثل هذه الحالات كثيرة إلا أنها تبقى غير معروفة حتى بالنسبة للمحسنين القادرين على التكفل التام بإحداها، لأنها ترفض أن تطرح معاناتها عبر وسائل الإعلام وخاصة صفحات الجرائد، معتبرين هذه الخطوة نوعا من التسول. لا أريد صدقة أبحث عن حقي في العلاج التقت ''الحوار'' كلا من الشاب نصر الدين والسيد بلقاسم أمام مقر إحدى الجمعيات الناشطة والرائدة في مجال مساعدة المرضى، فالأول مريض والثاني قدم للحصول على مساعدة لزوجته المريضة، تحمل هذان الشخصان طول الانتظار أمام مقر الجمعية ليعرضا مشكلتيهما على رئيستها علها تتمكن من تحقيق ما فشلت فيه الوزارتان، حيث ذكر لنا نصر الدين أنه قادم من ولاية عين الدفلى وهو مصاب بمرض عجز الأطباء أمامه، حيث فشلوا جميعهم من عموميين وخواص في إعطائه أملا بنجاح الجراحة إذا ما خضع لها هنا بالجزائر، وعليه إن أراد المشي بطريقة طبيعية وتجنب الإصابة بأزمات قلبية حادة، بالمسارعة للعلاج في الخارج. قال بلقاسم، إنه مصاب بمرض قد يتسبب في وفاته إذا ما ظل دون علاج حيث يعاني من التصاق الشرايين على مستوى الرجل اليسرى بحيث يختلط مجرى الدم صعودا ونزولا على مستواها متسببا له في أزمات قلبية قد تودي إحداها بحياته وهو في عز شبابه. وأوضح لنا أنه قد تقدم بطلبه للعلاج في الخارج إلى وزارة الصحة، وبعد طول انتظار توجه إلى وزارة التضامن الوطني لكن دون جدوى، فوجد نفسه مضطرا إلى زيارة رئيسة الجمعية التي أعطته بصيص أمل وطلبت منه أن يرجع بعد شهر حتى تتدبر له قيمة العملية والعلاج في إحدى الدول الأوربية. وقال نصر الدين بصريح العبارة ردا على سؤالنا لماذا لم تتوجه بنداء عبر وسائل الإعلام، ''لا أريد صدقة أبحث عن حقي في العلاج''. أما السيد بلقاسم الذي جاء ليحصل من رئيسة الجمعية على داء نادر تحتاجه زوجته المريضة في أسرع وقت قال من جهته ''عرض النداءات من أجل الحصول على الدواء أو فرصة للتكفل في الخارج يعد نوعا من التسول''. وواصل قائلا ''من واجب الجهات المعنية تحقيق لجميع المرضى متطلباتهم حتى لا تصبح وسائل الإعلام منبرا للتسول ولبعض الانتهازيين الذي يدّعون المرض للحصول على الهبات والتبرعات''. وتأسف بلقاسم على ما آلت إليه الأوضاع في السنوات الأخيرة حيث أصبح البعض من أقارب المرضى يستغلون مرضهم لجني الأموال من ورائهم، وراح يسرد علينا الأمثلة خاتما كلامه قائلا: ''عزة النفس تمنع العديد من المرضى من مد يدهم طلبا للمساعدة فيمرضون ويموتون دون أن يشعر أحد بهم بتفضيلهم كرامتهم على صحتهم، فتجد الواحد منهم يقول ''نموت و مانمدش يدي''''.