لم ينقطع الإقبال على مراكز التبرع بالدم عبر مختلف بقاع الوطن، خاصة عبر شوارع العاصمة، رغم أننا كنا في شهر رمضان المبارك الذي يخشى الصائمون فيه التخلي عن دمهم لاعتقادهم أن ذلك يؤثر سلبا على صحتهم، وهو ما يعتبر مؤشرا قويا على أن ثقافة التبرع بالدم بدأت تترسخ لدى الجزائريين وتتحول من مجرد فعل للخير وصدقة جارية إلى سلوك حضاري وإنساني متأصل. بدأت ثقافة التبرع بالدم تغرس لدى فئة كبيرة من الجزائريين الذين ينقسمون إلى متبرعين موسميين وهؤلاء يدخلون إلى مراكز التبرع بالمستشفيات حين وجود أحد من الأهل أو الأقارب، وهو حال عبد النور البالغ من العمر 33 سنة الذي تحول إلى أحد المتبرعين الموسميين بالصدفة، بعد أن انتشر في أوساط أسرته أنه يحمل فصيلة دم '' O+ ''والتي بإمكان صاحبها التبرع لأي كان، أو كما يطلق عليه ''متبرع عالمي''، وكانت أول مرة يتبرع فيها بالدم حينما دخلت زوجته للولادة وتأزمت حالتها بعد أن نزفت وفقدت الكثير من دمها وطلب منه إحضار دم لها على عجل قبل أن يبدي نيته في التبرع وساعدته فصيلة دمه. وبعد فترة دخلت زوجة أخيه واحتاجت هي الأخرى لنقل كمية من الدم بعد عملية قيصرية وتقدم ليتبرع لها بكيس من الدم. وبعدها لم يعد يتردد في منح دمه لكل محتاج في العائلة، لكنه لم يفكر أن يتبرع لأي مركز بطريقة دورية ومنتظمة. واعتبر أنه يساهم بشكل أو بآخر في إنقاذ حياة عدد من المرضى والمحتاجين ولا يهم إن كانوا من عائلته فهم قبل كل شيء مواطنين جزائريين. أما جويدة وهي امرأة شابة تبلغ من العمر 38 سنة وتتمتع بصحة جيدة وعلى قدر من التدين، بالإضافة إلى أن فصيلة دمها '' O+ ''، فهي تعتبر عملية التبرع بالدم صدقة جارية وعملا إنسانيا ستجازى عليه في الآخرة زيادة على أنه يمنحها إحساسا بالرضى نظير ما تقدمه من خير لأي واحد احتاج لدمها حتى ولو كانت لا تعرفه. لذا فهي مداومة على التبرع بانتظام، بالإضافة إلى أنها تاركة لرقم هاتفها لدى مسؤولي بنك الدم حتى يتمكنوا من الاتصال بها عند الحاجة. وتضيف جويدة أنها تلبي النداء في كل مرة عدا إذا كانت في فترة الحيض مؤكدة أن التبرع بالدم لا يعرض صاحبه إلى أي مخاطر. قطاع الصحة والأمومة... بحاجة دائمة للدم تعتبر فئة الأمهات والمواليد الجدد من أكثر الفئات التي هي بحاجة إلى الدم، باعتبار أن آخر الإحصاءات الصادرة عن المراكز الاستشفائية تفيد أن 30 مولودا جديدا يموت كل سنة بالجزائر وحوالي 700 امرأة تموت كل سنة أثناء المخاض وأن النزيف يحتل الصدارة في أسباب الوفيات. وهذا ما دفع سابقا منظمة الصحة العالمية إلى الاحتفال باليوم العالمي للتبرع بالدم تحت شعار ''دم سليم من أجل أمومة دون خطر'' أثبتت خلالها أن التبرع بالدم بإمكانه إنقاذ آلاف الحالات من الأمهات والمواليد الجدد. خاصة منهم الأطفال الخدج أو المبتسرين الذين يولدون قبل أوانهم وحديثي الولادة الذين يعانون من الصفراء بالإضافة إلى الأمهات اللواتي تعانين من النزيف أثناء الولادة أو جراء العمليات القيصرية المعقدة. كما يعاني مركز بيير وماري كوري بصفة خاصة من ندرة الدم نظرا لحاجة مرضى السرطان إلى الدم، خاصة منهم المصابين ''باللوكيميا''، لذا فإن المراكز تربطها في مجال التموين بالدم اتفاقية بمستشفى مصطفى باشا الجامعي الذي يجمع 22 ألف تبرع سنويا بنسبة تفريق للمكونات تفوق 80 بالمائة، مع العلم أن حاجة المركز للدم تبقى جد كبيرة بالنظر لعدد العمليات الجراحية وقسم أمراض الدم التابع له. بعض العيادات تخالف القانون ببيعها للدم هذا، وكان رئيس الفدرالية الوطنية للمتبرعين بالدم، غربي قدور، قد طرح في أكثر من مناسبة إشكالية إدراج العيادات الخاصة لتكلفة الدم في فواتير العلاج، ما يعد مخالفا للقانون، حيث حذر من لجوء بعض العيادات الخاصة إلى إدراج قيمة أكياس الدم المستعملة خلال العمليات الجراحية في فواتير العلاج النهائية، وهو ما يتنافى مع أخلاقيات المهنة، باعتبار الدم مادة حيوية ممنوعة البيع، وفقا لتوصيات المنظمة العالمية للصحة والمنظمات الإنسانية والحقوقية. وطلب من جميع المواطنين الذين يلاحظون أنه قد تم إدراج هذه الخدمة الإنسانية ضمن فاتورة العلاج بالتقدم إلى مجلس أخلاقيات مهنة الطب، لتقديم شكوى ضد هذه العيادات، من أجل وضع حد لمثل هذه التصرفات. وشدد على جميع المتبرعين الحاملين لفصائل الدم السلبية إلى عدم التقدم للتبرع دوريا والاكتفاء بتسجيل أسمائهم على مستوى مراكز التبرع لعدم الطلب عليه، حيث لا تتجاوز نسبة الجزائريين الحاملين للفصائل السلبية مجتمعة 15 بالمائة. 340 ألف متبرع غير دائم... وهم الأغلبية وعن حصيلة عدد المتبرعين بالدم تفيد الإحصاءات أن عدد المتبرعين الدائمين على المستوى الوطني يتراوح من 60 إلى 65 ألف متبرع دائم و340 ألف متبرع غير دائم. وتتراوح أعمارهم ما بين 18 و65 سنة ويتمتعون بصحة جيدة وقد تصل عدد التبرعات إلى 4 مرات بالنسبة للرجال في السنة و3 مرات بالنسبة للنساء، كما يوجد 152 مركز تبرع تابع للوزارة الوصية و13 عيادة متنقلة، ثلاثة منها مخصصة للجزائر العاصمة والأخرى موزعة على مستوى التراب الوطني. كما تشير الإحصاءات إلى أن قرابة 80 بالمائة من الدم المتبرع به يأتي من الأهل والقرابة. الجدير بالإشارة أن الاتحادية الجزائرية للتبرع بالدم هي جمعية وطنية ذات طابع اجتماعي إنساني تأسست في 25 أكتوبر 1976 من طرف أكبر المتبرعين بالدم والمتطوعين وتحتل 4 مقاعد في الفيدرالية الدولية لمنظمات التبرع بالدم و4 مقاعد في الفيدرالية الخاصة بجمعيات التبرع بالدم للمغرب العربي الكبير، بالإضافة إلى أنها حاضرة بلجانها على مستوى كل الولايات، الدوائر والبلديات بغرض القيام بعمل التحسيس، التجنيد وترقية التبرع بالدم.