تعود $ إلى مسرح الجريمة في تيڤنتورين، بعد 6 أشهر تقريبا من أخطر هجوم إرهابي تتعرّض له الجزائر، لتكشف بعض التفاصيل التي لم تنشر من قبل للعملية التي هزّت الرأي العلمي الوطني والعالمي. ومن المفيد هنا تصحيح كلمة تيڤنتورين لأن العبارة الصحيحة حسب أبناء المنطقة من التوارڤ تيجنتورين، بالجيم. كان يوم الأربعاء يوما عاديا كأي يوم عمل شاق بالنسبة للمئات من عمال المجمّع الغازي تيڤنتورين، في عين أميناس بولاية إليزي، وكان بالنسبة لمجموعة من الأجانب يوما سعيدا، ذلك أنهم سيتنقلون إلى خارج الجزائر لقضاء الإجازة، لكنه لم يكن كذلك لأكثر من 40 مسلّحا كانوا يستعدون لاقتحام الموقع مستعملين وسائل تقنية حديثة.. 40 مسلحا، منهم 4 جزائريين فقط، والباقي من جنسيات مختلفة. في غرفة عمليات مكافحة الإرهاب في العاصمة في مقر الناحية العسكرية الرابعة بورڤلة، ناقش قادة عسكريون، في مقر غرفة العمليات، برقية أمنية عاجلة تتحدث عن تهديد إرهابي وشيك، وعن عملية نوعية للجماعات الإرهابية. لكن لا أحد كان يتوقع أن تصل الأمور حدّ تنفيذ هجوم دموي كبير ضد منشأة الغاز في تيڤنتورين. كان القادة العسكريون في تمنراست وورڤلة وبشار قد تعوّدوا على مثل هذه البرقيات الأمنية التي تحذّر من عمليات إرهابية، لكن البرقية الأخيرة، التي جاءت متأخرة، بُنيت على تقرير أحد أهم مصادر معلومات مديرية الاستعلامات والأمن في شمال مالي وأكثرهم ثقة، حيث أكد، في تقريره، بأن أكثر من 60 مسلّحا تابعين للتوحيد والجهاد وكتيبة الملثمين غادروا معسكرات ومخابئ محصنة في منطقة “آجلهوك” واتجهوا إلى وجهة مجهولة. البرقية الأمنية العاجلة وتحذير من انتقام إرهابي وشيك التقرير الثاني المقلق هو عودة قدامى جماعة “أبناء الجنوب من أجل العدالة الإسلامية” للنشاط قرب الحدود الشرقية في غرب ليبيا، ووجود علاقة بينهم وبين متشددين في ليبيا. وقبل هذا التحذير كانت الكثير من المؤشرات تؤكد أن أمرا ما يتم تحضيره على أعلى مستوى في مجلس شورى تنظيم المجاهدين، الذي يشرف عليه مختار بلمختار ويضم أمراء منظمات “التوحيد والجهاد” وكتيبة “الملثمون” و«أنصار الدين” و«أبناء الصحراء من أجل العدالة الإسلامية”. وأهم هذه المؤشرات هو تراجع مشاركة عناصر من التوحيد والجهاد والملثمين في قتال القوات الفرنسية في شمال مالي، ما يعني أنهم يحضّرون لأمر ما، بالإضافة إلى التهديد الصريح الذي وجّهه بلمختار لفرنسا والدول التي تؤيّد العملية العسكرية في شمال مالي، وعلى رأسها الجزائر، عندما أعلن عن ميلاد كتيبة “الموقعون بالدماء”، لكن قبل يومين فقط من عملية تيڤنتورين نفّذ إرهابيون من “التوحيد والجهاد” عملية انتحارية استعراضية كان هدفها الوحيد هو جذب انتباه الجيش إلى مكان آخر بعيد عن عين أمناس، حيث تسلّل 3 مسلحين إلى موقع يبعد عن منطقة جانت ب600 كلم جنوبي عين أمناس، وتم القضاء عليهم بعد أن حاولوا الاقتراب من موقع عسكري. ووصلت التقارير المقلقة لقيادة عمليات مكافحة الإرهاب في الجزائر العاصمة، وبدا أن هذا العمل الغبي والطائش الذي نفّذه المسلّحون الثلاثة غير مبرّر عسكريا وأمنيا، ويخفي خلفه نيّة مبيتة. وحافظت غرفة عمليات مكافحة الإرهاب المركزية على درجة التأهب في صفوف الجيش وقوات الدرك وحرس الحدود، التي كانت قد أُعلنت قبل أعياد رأس السنة الميلادية التي تشهد وصول أفواج سياحية إلى الجنوب. وتشير مصادر أمنية إلى أن قيادة الجيش أمرت وحداتها، في الناحية العسكرية الرابعة، بتنفيذ عملية مسح جوي جديدة، وتمشيط لمنطقة الحدود المشتركة النيجرية– الجزائرية- الليبية، لكن الوقت كان متأخرا.
ردّ الإرهابيين على التدخل العسكري في شمال مالي بدأ مختار بلمختار، ومعه عبد الرحمن النيجري وبشنب لمين، وخيري أمير “التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا” التخطيط لعملية تيڤنتورين، حسب محاضر التحقيقات قبل تنفيذ الهجوم ب3 أشهر، أي في بداية شهر أكتوبر 2012. وأحد أهم الدوافع كان أن التدخل العسكري الفرنسي في شمال مالي كان في حكم المؤكد، كما أن الدعم الجزائري له كان أمرا مفروغا منه، وتم التخطيط للهجوم بعد استنطاق خضع له أحد موظفي القنصلية الجزائرية في غاو، المختطف من قِبل جماعة “التوحيد والجهاد”، حيث حصل الإرهابيون على معلومات مهمة حول التغطية الأمنية في منطقة عين أمناس، التي عمل فيها الرجل لسنتين في مهمة أمنية قبل التحاقه بالسلك الدبلوماسي. وقارن الإرهابيون بين إمكانية تنفيذ عملية في قاعدة “تيافتي” الغازية، شمال إليزي، وتيڤنتورين، لكن القرار النهائي جاء لصالح تنفيذ العملية في عين أمناس، بسبب تصادف وجود عمال سابقين في منشأة تيڤنتورين في صفوف الجماعات الإرهابية خاصة “التوحيد والجهاد”، وكذا وقرب المنطقة من الحدود الليبية، حيث لا تبعد عن الأراضي الليبية سوى بنحو 80 كلم. الإرهابيون يكسرون حاجز الخوف من الجيش كانت “جرأة” جماعة “التوحيد الجهاد” في تنفيذ عمليات نوعية في الجنوب الجزائري، بدءا باختطاف عمال إغاثة إسبان من مخيّم الرابوني بولاية تندوف، نهاية عام2011، والتفجيرات الانتحارية ضدّ قواعد الدرك الوطني في تمنراست وورڤلة، قد كسرت حاجز الخوف لدى مختار بلمختار من الجيش الجزائري، حيث تعلّم بلمختار أمرا مهما خلال مسيرة أكثر من 20 عاما من حمل السلاح في الجنوب الجزائري والساحل، وهو أن الجيش الجزائري قادر على حسم أي مواجهة مع الإرهابيين خلال ساعات وربما في غضون دقائق. وهذا ما دفع بلمختار للابتعاد، قدر الإمكان، عن الدخول في مواجهة مع الجيش الجزائري والفرار إلى شمال مالي، لكن العمليات التي نفّذها عناصر من حركة “أبناء الصحراء من أجل العدالة الإسلامية”، لصالح “التوحيد والجهاد”، غيّرت من قناعات بلمختار، رئيس أركان الحركات الجهادية في شمال مالي، فقرّر خوض المغامرة، لكنه خاضها بعد أن احتاط للأمر، فالمجموعة الرئيسية التي نفّذت الهجوم كانت تضم 4 جزائريين فقط، ومعهم 36 أجنبيا من جنسيات مختلفة. ويؤمن بلمختار بأن الجزائريين في “القاعدة” و”الملثمون” عملة نادرة، بسبب الكفاءة القتالية التي يملكون وقدرتهم على التسلل إلى الجزائر بسهولة، والأهم من كل هذا هو اعتماده عليهم في المؤامرات ضد الخصوم في تنظيم “القاعدة” وغيرها.
15 مليون دولار دُفعت من خزائن دولة أجنبية في الأيام الأولى بعد عملية تيجنتورين، قالت مصادر أمنية جزائرية إن دولة أو دولا متورطة في العملية الإرهابية، وكان هذا مبنيا على معلومات دقيقة، هي أن عملية بهذا الحجم لا يمكن أن يتوفر تمويلها لدى جماعة بلمختار، رغم أن هذا الأخير فاحش الثراء، حسب مصادر أمنية. وقد واجهت الجماعات الإرهابية صعوبة كبيرة قبل العملية، تمثّلت في مصدر تمويل العملية، التي لا تقل تكلفتها عن 15 مليون دولار حسب مصادر أمنية. وتطلّبت العملية توفير ما لا يقل عن 10 سيارات دفع رباعي، منها سيارات مهيأة من فئة “تويوتا في 8” مشابهة تماما لسيارات فرق الأمن في شركة سوناطراك، وسيارات دفع رباعي من أحدث فئات “تويوتا ستيشن”، ومجموعة من أجهزة الاتصال الفضائي المتطورة، التي لا يمكن التشويش عليها، والتي زوّدت دولة خليجية ثوار ليبيا بها أثناء الحرب ضد نظام العقيد القذافي، ويتعدى سعر الجهاز الواحد في السوق السوداء 30 ألف أورو، وقنابل وصواريخ مضادة للدروع وصواريخ أرض جو، ومبلغ كبير من الأموال السائلة يحتاجها الإرهابيون أثناء الرحلة الطويلة والمرهقة من شمال مالي إلى الجزائر، عبر النيجر وغرب ليبيا. وقد حصل بلمختار على جزء من المال الخاص بالعملية من أحد أمراء الحرب في ليبيا، حيث تعهّد الأخير بتوفير سيارات الدفع الرباعي المهيأة، وأجهزة الاتصال الأمريكية الحديثة وهواتف “ثريا” غير خاضعة للمراقبة، بمعنى أن أرقامها غير موجودة لدى أجهزة الأمن والمخابرات. وقد برع المخططون للاعتداء الإرهابي في إخفاء وجهتهم الحقيقية، حتى على المموّل الليبي الذي أُبلغ بأن الأمر يتعلّق بعمليات في الحدود بين الجزائر ومالي، وهذا حفاظا على أقصى درجات السرية، حيث إن بلمختار كان يدرك أن الساحة الليبية مخترقة، وأن أي تسرّب للمعلومات حول الهدف الحقيقي للعملية سيؤدي لفشلها قبل أن تبدأ. وبعد توفير التمويل بقي أهم شرط، وهو استطلاع القاعدة، حيث كُلّف بالمهمة 3 أشخاص، يقيم أحدهم في جانت ويقيم الثاني في برج الحواس والثالث في عين أمناس، وكُلّف الثلاثة باستطلاع المواقع العسكرية والمنشآت الأمنية في عين أمناس والحدود الجزائرية الليبية وبعض المسالك الصحراوية، وبقي أحدهم، لمدة 10 أيام، متنكرا في زي بائع سجائر قرب مقر الكتيبة الإقليمية للدرك الوطني في عين أمناس، يراقب تحرك مجموعات الدرك التي كانت مكلّفة بحراسة ومواكبة الأجانب العاملين في تيڤنتورين، وقد أُوقف الثلاثة في الأيام الأولى بعد الهجوم. وبيّنت عملية المراقبة أن حافلة تقلّ عمال شركة “بريتيش بتروليوم” تأتي كل أسبوع تقريبا إلى مطار عين أمناس من أجل نقل العمال إلى حاسي مسعود، وتقرّر اختيار هذا التوقيت بالضبط على أن يكون موعد العملية مباشرة بعد أعياد رأس السنة، والسبب هو أن عددا كبيرا من الأجانب يغادر عين أمناس، في أعياد رأس السنة، القاعدة، ثم يعود بعد أسبوع من العطلة للعمل، وهنا تدخل المنطقة في حالة استرخاء أمني وعسكري تسمح للإرهابيين بتنفيذ العملية. ويعتقد المحققون أن المجموعات الإرهابية تنقّلت إلى غرب ليبيا سرا بأمر من بلمختار، ضمن 3 مجموعات، حتى لا تثير أي انتباه، وكانت تجهل توقيت ومكان العملية، باستثناء أبي عبد الرحمن النيجري ولمين بشنب. وفرض بلمختار على المجموعات التزام الصمت اللاسلكي، وعدم إجراء أي اتصالات مهما كان نوعها، حيث كان يعلم أن الأمن الجزائري يراقب الاتصالات في كامل المنطقة.
الخاطفون طلبوا الإفراج عن100 متهم مسجون منذ عام 1995 أكدت حادثة تيڤنتورين أن القاعدة وحلفاءها في شمال مالي تملك معلومات تفصيلية عن بعض المنشآت الحيوية في الجزائر، حيث اعتمد تخطيط الإرهابيين للعملية على عدة عناصر، أهمها أنهم كانوا على علم دقيق بكل مداخل ومخارج مصنع الغاز، وأن الجيش لن يتمكّن من استعمال سلاح الجو وقوته الضاربة، طائرات الهجوم الأرضي العمودية الروسية، لمواجهة المجموعة، بسبب أن أي قصف صاروخي قريب من قاعدة الغاز في تيڤنتورين سينجم عنه انفجار ضخم، قد يؤدي إلى تفجير عشرات الكيلومترات المربعة، فسعة خزانات الغاز في القاعدة كبيرة لدرجة أن انفجارها سينجم عنه دمار تزيد قوته عن قوة آلاف الأطنان من المتفجرات. ولجأ الخارجون عن القانون قبيل سنوات إلى تكتيك للاحتماء من غارات الطائرات العمودية العسكرية، وذلك بالسير قرب خطوط قنوات الغاز لعلمهم أن الطائرات لن تقصف المكان. كما اعتمدت على عنصر المفاجأة، الذي يعطي الإرهابيين أفضلية كبيرة تمكّنهم من الفرار مع مجموعة كبيرة من الرهائن، في غضون ساعتين إلى 3 ساعات، وهو الوقت المطلوب لتدخل القوات الجوية وطائرات الهجوم الأرضي العمودية، بالإضافة إلى إمكانية التفاوض مع السلطات الجزائرية في أسوأ الحالات. وبدأت المفاوضات فعلا مساء يوم الأربعاء، حيث طلب الإرهابيون في البداية الإفراج عن 100 متهم مدان في قضايا إرهاب يوجدون في السجون منذ عام 1995، ثم طلبوا سيارات دفع رباعي تستغل لنقل الرهائن إلى شمال مالي، حيث كانت وجهة نظر الإرهابيين، قبل وأثناء العملية، أن عنصر المفاجأة سيمكّنهم في النهاية من حسم العملية مثل باقي عمليات خطف الرهائن السابقة. “نخبة الإرهابيين” في مواجهة نخبة “القوات الخاصة” دخلت المجموعة الإرهابية التي نفذّت عملية تيڤنتورين التاريخ، لأنها تجرأت على تنفيذ عملية حربية مباشرة ضد الجزائر، وكانت أهمية العملية تستدعي اختيار أفضل الإرهابيين تدريبا بدءا بمصري خبير في التفجير عن بعد تدرّب في معسكرات القاعدة في العراق، وانتهاءً بكندي يتقن عدة لغات. كل الإرهابيين الذين شاركوا في العملية كانوا على درجة عالية من التدريب، لكنهم فوجئوا باستماتة فرقة المواكبة التابعة لكتيبة الدرك الوطني بعين أمناس، التي منعت الإرهابيين من السيطرة على حافلة نقل عمل شركة “بريتيش بتروليوم”. مباشرة بعد أن تمكّن الإرهابيون من السيطرة على قاعدة الحياة ومصنع الغاز، قرّرت هيئة أركان الجيش إرسال تعزيزات مهمة إلى عين أمناس، بدءاً بسرب طائرات هجوم أرضي ومجموعة طائرات مقاتلة، وكتيبة مغاوير وكتيبة من قوة مفرزة التدخل التابعة للدرك الوطني، ومجموعة قتالية من وحدات التدخل الخاصة. لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن المشاركين في العملية كان عددهم يفوق 6 آلاف شخص، منهم خبراء في الأدلة الجنائية من مخبر الأدلة الجنائية للدرك الوطني وأطباء مختصين في الطب الشرعي ووحدتان من الحماية المدنية متخصصتين في الأمن الصناعي وإطفاء الحرائق الكبرى وطائرات إطفاء تابعة لمجموعة سوناطراك، ومختصين في تحليل الحمض النووي من الدرك والشرطة. تدخل القوات الخاصة حسم المعركة “كانت القضية بالنسبة لنا مسألة حياة أو موت يجب أن يموت الدمويون حتى يهنأ الشعب الجزائري. كنا جميعا مستعدين للموت..”، بصعوبة شديدة اقتنع بالحديث معنا.. إنه أحد عناصر القوة الخاصة التي اقتحمت، في الموجة الأولى، مصنع الغاز في تيڤنتورين، وهو ضابط برتبة ملازم أول في قوة عسكرية خاصة، اشترط عدم ذكر الكثير من التفاصيل السرية وعدم الإشارة إلى هويته الحقيقية، وقررنا تسميته باسم سعيد، يقول: “تم استدعاؤنا على الساعة السادسة من صباح يوم الأربعاء، وطُلب منا التجمع في ساحة العلم بالقاعدة العسكرية “س”، ثم نُقلنا على متن عدة حافلات إلى مطار بوفاريك العسكري. لم يكن أي منا، نحن صغار الضباط، على علم بأي تفاصيل حول العملية. في بعض الأحيان نستدعى للتدخل في عمليات وهمية، للتأكد من مدى جاهزية القوات، لكن هذا الانطباع بدأ في التلاشي عندما توقفت الطائرة في مطار ورڤلة العسكري، وتم تحميلها بعدد إضافي من الضباط والجنود، لدرجة أن طائرة النقل الروسية الضخمة حُمّلت فوق طاقتها.. أدركنا أن الأمر يتعلّق بعملية حقيقية. وبعد أن قضينا أكثر من 3 ساعات في الجو نزلت الطائرة في مطار عين أمناس، وتم تجميعنا في قاعدة المطار، وكان هذا بحضور ضباط كبار، وتلقينا التعليمات الأولى. وكان معنا عناصر من وحدة العمليات الخاصة في مغاوير الجيش، التي عادة ما تستعمل في مكافحة الإرهاب ووحدة التدخل الخاصة في الاستعلامات والأمن “جيس”. بدأ ضابط كبير في تقديم شرح خاص لصغار الضباط وضباط الصف، في خريطة تظهر موقع تيڤنتورين، وقال إن مجموعة مسلحة اقتحمت الموقع، بعد أن فشلت في السيطرة على حافلة مملوءة بالأجانب العاملين في شركة “بريتيش بتروليوم”، وأن كتيبة من الجيش ووحدات من الدرك تحاصرها منذ 5 ساعات في عين المكان. وتم نقلنا إلى الموقع، وكنا مدججين بالأسلحة والدروع على متن شاحنات نصف مصفحة.. بدأ أغلب الضباط والجنود في قراءة القرآن سرا وردّد أغلبنا الشهادتين. بعض الجنود وضباط الصف شارك للمرة الأولى في حياته في عملية عسكرية مباشرة. وفورا تم تشكيلنا في زمر من القوات الخاصة، في انتظار تلقي التعليمات. وكانت الأوامر الأولى التي تلقيناها، على الساعة السابعة من مساء يوم الأربعاء، هي استغلال الظلام والتسلل فورا إلى المنطقة الفاصلة بين مصنع الغاز وقاعدة الحياة في تيڤنتورين ومنع عملية تفجير المصنع وإخراج عدد من الرهائن المختبئين داخل المصنع، أما الأمر الثاني فقد كان الحفاظ على حياة الرهائن الجزائريين والأجانب قدر المستطاع. وكنا ندرك أن القرار قد صدر، فعلا، بتصفية الجماعة الإرهابية في حال عدم التوصل لاتفاق معها يقضي بالاستسلام، لأن التسلل إلى داخل هذه المنطقة يعني الاشتباك مع الإرهابيين. وقد شارك في عملية التسلل أفراد من وحدات الهندسة المتخصصون في تفكيك الألغام والمتفجرات. وخلال ساعتين فقط كان العشرات من عناصر وحدات النخبة في الجيش والدرك والمخابرات موجودين، فعلا، داخل مصنع الغاز لمنع تفجيره. وتمكنّا من تفكيك 14 قنبلة موقوتة زُرعت في مضخات الغاز ومخازنه الكبرى، وكان هذا أهم انتصار حققناه على الأرض.. القنابل الموقوتة رُبطت بأسلاك لتفجيرها عن بعد، وتم تفخيخ بعضها بقنابل ثانية خفية تنفجر عند أي محاولة لتفكيكها، ورغم هذا تمكّن أفراد وحدة الهندسة الخاصة من تفكيك القنابل، وقد أدى هذا إلى منع تفجير المصنع. وفي يوم الخميس أفاق الخاطفون على واقع جديد، هو أن القوات الخاصة صارت تتشارك معهم المكان نفسه، وبدأت الاشتباكات المتقطعة بيننا وبين الإرهابيين، حيث منعنا التواصل بين الإرهابيين الذين تم تقسيمهم إلى مجموعتين، وهذا ما أثار غضب أحد قادة الخاطفين فهدّد عبر اللاسلكي بتفجير القاعدة.. لم نكن نعلم بأي تفاصيل حول المفاوضات التي جرت بين الإرهابيين وقيادة العمليات العسكرية في عين أمناس، التي عُيّن قائد الناحية العسكرية الرابعة قائدا لها، تحت إشراف الفريق ڤايد صالح رئيس أركان الجيش”. ويقول سعيد: “كان منعرج العملية هو التصدي البطولي لفرقة المواكبة الأولى، بالإضافة للدور البطولي لحارس المنشأة الذي ضحى بحياته لمنع الإرهابيين من الدخول إلى الموقع. لكن لولا الشجاعة التي أبداها العشرات من عناصر القوات الخاصة الاحترافية العالية لما أنهيت العملية بالكيفية التي انتهت بها”، ويضيف شاهد العيان العسكري: “بدأنا في البحث عن الأسلحة والمتفجرات التي أخفاها الإرهابيون داخل المنشأة، وقد أذهلتنا لا إنسانية الخاطفين، حيث لغّموا عددا كبيرا من الرهائن بالعبوات والأحزمة الناسفة التي تنفجر عند أي حركة، كما لغّموا السيارات التي استغلوها أثناء محاولة الفرار من قاعدة الحياة، التي أحبطها الجيش وتصدى لها ودُمّرت السيارات”. إنقاذ جميع الرهائن لم يكن ممكنا تشير تقارير الطب الشرعي التي خضعت لها جثث الضحايا الغربيين والجزائريين إلى أن السبب الرئيسي لوفاة أغلب الضحايا كان التفجير، وأن عددا قليلا منهم مات رميا بالرصاص. كان تأثير التفجيرات قويا، لدرجة أن التعرف على هوية 15 رهينة كان غير ممكن إلا بعد الاستدلال عليها بالحمض النووي، حيث كانت شركات النفط الأجنبية تمتلك بصمة الحمض النووي لعمالها جميعا، وكان أغلب الضحايا الذين اختفت أي معالم تدل على هويتهم اليابانيين. وبعد 5 أيام من اقتحام تيڤنتورين كانت هوية كل الضحايا ال37 معروفة لدى الشركات التي تشغّلهم. بطولة وشجاعة رهائن تمكّن عدد كبير من الرهائن من الفرار من قبضة الإرهابيين بفضل شجاعتهم، وكان أبرز هؤلاء رهينة فرنسية كانت تعمل كممرضة في مصنع الغاز تمكّنت من الفرار بالتعاون مع رهائن جزائريين وأجانب. وقد تمكّن رهائن آخرون من الاختباء في مصنع الغاز، دون أن ينتبه لهم الخاطفون، حيث أجروا اتصالات هاتفية من داخل المصنع وأرشدوا القوات الخاصة للدرك، في عملية سرية مثيرة للإعجاب، إلى أماكن تواجدهم ومواقع اختباء الخاطفين. والمثير هو أن عمالا جزائريين طلبوا، في اليوم الأول بعد فرارهم، السلاح للمشاركة في التصدي للخاطفين.