في الوقت الذي تسجل فيه أسعار مختلف المواد الغذائية والفلاحية ارتفاعا كبيرا خلال الأيام الماضية في السوق المحلية، تظل هذه المواد تعرف استقرارا أو انكماشا في مختلف الأسواق والبورصات العالمية، ما يطرح تساؤلات حول ماهية ودوافع هذا الارتفاع، باستثناء مادة الحليب التي عرفت بفعل الطلب الصيني الكبير ارتفاعا قياسيا في السوق الدولية، خاصة مع تدهور إنتاج دول منتجة ومصدرة مثل نيوزلندة. وتكشف الإحصائيات الخاصة بالبورصات الدولية أن سعر الحليب عرف مستويات قياسية غير مسبوقة، خاصة مع تسجيل طلبات إضافية من قبل الصين التي استوردت عام 2013 ما لا يقل عن 500 ألف طن بنسبة زيادة بلغت 30% وتمثل 40% من الطلب العالمي، وأثر تذبذب الإنتاج في نيوزلندة في ارتفاع الأسعار أكثر، وهو ما بينته مؤشرات منظمة الأممالمتحدة للفلاحة والتنمية “فاو”، حيث بلغ المؤشر العام لأسعار الحليب 264.6 نقطة في ديسمبر 2013 بزيادة نسبتها 5.2% مقارنة بنوفمبر، ويعتبر المعدل الأعلى في تاريخ المؤشر الذي وضعته المنظمة منذ سنة 2000، وساهمت التقلبات العديدة في ارتفاع معدلات أسعار مسحوق الحليب ما بين 4865 دولار و5668 دولار للطن، كما أثر ذلك في معدلات أسعار التسويق في العديد من البلدان من بينها الأوروبية التي بلغت مستوى قياسيا في فرنسا مثلا بمعدل 341 أورو لكل 1000 لتر، وهو أعلى سعر على الإطلاق منذ أكثر من 4 سنوات، متجاوزا الرقم القياسي المسجل في 2008 حينما بلغ السعر 336 أورو لكل 1000 لتر. وعلى عكس المنحى التصاعدي لأسعار الحليب، فإن أسعار العديد من المواد الغذائية والفلاحية عرفت استقرارا أو انخفاضا خلال الأشهر الماضية، فقد عرفت أسعار الزيوت تراجعا قدرت بالنسبة لزيت الكولزا ب1.84% منذ الفاتح جانفي وب0.15% بالنسبة لبذور الصويا، واستقرارا لزيت القصب وانخفاضا ب2.84% لزيت الصويا، كما عرفت أسعار القمح اللين في بورصة باريس انخفاضا بنسبة 0.88%، مقابل 2.69% للقمح الصلب في بورصة شيكاغو، ونفس المنحى عرفته أسعار الأرز، بينما تراجعت أسعار البطاطس مند الفاتح جانفي بنسبة 12.5%، وحتى البقول الجافة التي عرفت ارتفاعا خلال سنة 2013، بدأت تعرف استقرارا مند عدة أيام، ما يؤهلها للانخفاض على المدى القصير إذا روعي المنطق التجاري والاقتصادي العام، خاصة أن الجزائر مستورد صافٍ لهذه المواد، إذ تبقى زيادات عدد من المواد والمنتجات غير مبررة بصفة عامة نتيجة عودتها للانخفاض منذ فترة زمنية، وتبقى الجزائر من بين أهم المستوردين لمختلف المواد الغذائية والفلاحية بقيمة تتراوح ما بين 6 و8 مليار دولار سنويا، ما يكشف عجز الآلة الإنتاجية المحلية عن تغطية حاجيات السوق المحلي بهذه المواد.