بانفتاحها على القوى المسيطرة على الجهة الشرقية في ليبيا، تكون الجزائر قد عززت موقعها التفاوضي بين مختلف الأطراف المتصارعة في ليبيا، ما يؤهلها للعب دور وساطة من الدرجة الأولى في حل الأزمة وإعادة الأمور إلى نصابها في هذا البلد الذي يشكل وضعه الحالي هاجسا أمنيا كبيرا. شكلت زيارة اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر إلى الجزائر، مفاجأة لكثير من المتتبعين، لكونها تعد سابقة في علاقات البلدين في مرحلة ما بعد الثورة الليبية، إذ ظلت المناطق التي تخضع لسيطرة اللواء حفتر وحكومة طبرق، خاضعة لنفوذ دول عربية وغربية تريد تطبيق أجندتها للحل، بينما غيّبت الجزائر بمقاربتها السياسية المعروفة، عن رادار تلك المناطق، وظلت مجبرة على التعامل مع أطراف أخرى لا تملك كامل مفاتيح الحل، ما جعل الحلول المتوصل إليها قاصرة على معالجة الأزمة من جذورها. هذا الواقع وقف عليه سفير الجزائر في بروكسل السابق، حليم بن عطاء الله الذي انتقد في تصريح ل"الخبر" تقصير الجزائر في التعاون مع حكومة طبرق، وتفضيلها العمل مع حكومة الوفاق الوطني التي لا تملك من واقع الأمر شيئا على الأرض، وتعتبر مجرد حكومة وهمية فرضتها حسابات غربية. وقد سبق مجيء حفتر زيارة أخرى لا تقل أهمية لرئيس البرلمان الليبي في طبرق، عقيلة صالح، الذي يمثل سلطة سياسية في هذه المناطق بمعية حكومة طبرق، وبذلك أسست الجزائر لمرحلة جديدة استطاعت فيها نسج علاقات مع أطراف سياسية وعسكرية، لها نفوذ واسع على ما يقترب من ثلث مساحة ليبيا الشاسعة، ما يفتح أمامها الباب لإمكانية التوفيق بين الأطراف الليبية المتنازعة في المرحلة القادمة التي ستشهد أحداثا هامة على صعيد محاولات حل الأزمة في ليبيا. ويشكل هذا المنعطف في علاقات الجزائر بأطراف الأزمة في ليبيا، حدثا هاما يتوخى محاولة استدراج الأطراف الليبية إلى الحل الجزائري باعتباره الأنسب على وقف النزاع في هذا البلد، كما يقول المسؤولون الجزائريون الذين يخشون مزيدا من عسكرة الصراع في ليبيا بما يبعد الأطراف المتنازعة أكثر عن لغة الحوار. وتكمن أهمية هذه اللقاءات في أنها أرست قناة تواصل مباشرة مع الشرق الليبي، في وقت كانت الجزائر دائما تخشى من وقوع الأطراف المسيطرة على هذه المناطق إلى نفوذ دول لا تملك نفس المقاربة، وهي بالتحديد مصر والإمارات وفرنسا. وقد أبدت الجزائر في هذا الصدد انزعاجها الشديد من تنظيم لقاء في باريس، أواخر أكتوبر، ضم هذه الدول مع الأطراف الليبية، بينما كان رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية، فايز السراج، في زيارة للجزائر، وهو ما اعتبرته الجزائر محاولة للتشويش على جهودها. وبالنسبة للجانب الليبي، شكل استقبال الجزائر للواء خليفة حفتر ولقاؤه مع مسؤولين كبار في الدولة اعترافا من دولة جوار هامة في المنطقة، وتقديم ضمانات في عدم ممانعتها من تولي اللواء مناصب هامة مستقبلا في ليبيا، في إطار التعديل المتوقع لاتفاق الصخيرات، حيث يتوقع أن يشرف على وزارة الدفاع في حكومة الوفاق الوطني. كما لا يخفي اللواء حفتر بعد انتهاء المرحلة الانتقالية طموحه لتولي رئاسة ليبيا، وهو منصب قد يعيقه الوصول إليه استعداء إحدى أهم دول جوار ليبيا. ولا يخفي محللون سياسيون ليبيون تعاطوا مع زيارة حفتر، أن ثمة عدة أسباب جعلت من علاقة اللواء مع الجزائر مهمة، منها قوة ووزن الجزائر في دول المغرب العربي، بالإضافة إلى وجود نسبة كبيرة من أتباع النظام السابق المتحالفين مع حفتر في الجزائر، وهو ما يجعل من الجزائر طرفا هاما في سعي اللواء للوصول إلى السلطة.