وصفت الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس إلى الجزائر مساء أول أمس ب "الناجحة والمهمة "، مما يعكس الخطوات الكبيرة التي حققتها العلاقات الثنائية لا سيما في الجانب السياسي والتعاون الأمني الذي برز بشكل جلي بعد تنامي ظاهرة الإرهاب العابرة للحدود. وعليه فقد تركزت المحادثات التي أجراها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة مع المسؤولة الأمريكية على مكافحة الإرهاب، حيث صرحت في هذا السياق: "لقد تحدثنا عن تعاوننا الوطيد في مجال مكافحة الإرهاب بحيث أعربت لرئيس الجمهورية عن تأثري العميق لفقدان أرواح أبرياء في الجزائر جراء الاعتداءات الإرهابية". في حين قال السفير الأمريكي ديفيد بيرس في تصريح له بمطار هواري بومدين الدولي عقب مغادرة رايس، أن زيارة وزير الخارجية الأمريكية تبرهن على أن الجزائر تلعب دورا محوريا بالمنطقة، إلى جانب كونها بلدا متعاونا في مجال مكافحة الإرهاب. وقناعة منها بضرورة الارتقاء بالتعاون الاقتصادي بين البلدين إلى مستوى العلاقات السياسية المتميزة التي تكرّست خلال السنوات الأخيرة مما جعلها "علاقات صداقة وطيدة"، أعربت كاتبة الدولة الأمريكية عقب اللقاء الذي خصها به رئيس الجمهورية عن أملها في أن يتم "توسيع وتنويع" العلاقات الاقتصادية الثنائية إضافة إلى الروابط التي تجمع بين الشعبين الجزائري والأمريكي". وصرّحت السيدة رايس في هذا السياق "لقد تميز الاجتماع الذي عقدناه بجو ممتاز حيث أكدنا مجددا على علاقات الصداقة الوطيدة القائمة بين الجزائروالولاياتالمتحدة وبين شعبي كلا البلدين". وأضافت تقول "لقد تابعت تكوينا جامعيا وأود أن أرى عددا أكبر من الطلبة الجزائريين في الولاياتالمتحدة". ولم تخف المسؤولة الأمريكية عن إعجابها بشخص الرئيس بوتفليقة، حيث قالت في هذا الصدد: "لقد كانت لدي فرصة جيدة للاستفادة من حكمة الرئيس بوتفليقة الذي يعد رجل دولة كبير وحكيم المنطقة ليس فقط على مستوى المغرب العربي الذي يعرفه جيدا بل أبعد من ذلك بكثير". وأشارت إلى أن المحادثات تمحورت أيضا حول مسار السلام في الشرق الأوسط الذي تمت مباشرته في أنابوليس، إضافة إلى "الجهود المبذولة من أجل استرجاع الأمن في المنطقة". وكان رئيس الجمهورية قد أقام أول أمس بقصر الشعب بالجزائر العاصمة مأدبة غداء (الإفطار) على شرف كاتبة الدولة الأمريكية، كما حظيت المسؤولة الأمريكية باستقبال من قبل السيد مراد مدلسي وزير الخارجية. وكان من المقرر أن تنشط رايس ندوة صحفية قبيل مغادرتها الجزائر سهرة أمس إلا أنه تم إلغاءها بسبب كثافة الأجندة للكاتبة الأمريكية التي توجهت مباشرة إلى الرباط في إطار جولة مغاربية كانت شملت أيضا ليبيا وتونس. ورغم أن زيارة رايس تأتي قبل بضعة أشهر من انتهاء العهدة الرئاسية للرئيس الأمريكي جورج بوش، إلا أن الملاحظين يولونها أهمية من منطلق أنها تعكس حجم التقارب السياسي والاقتصادي المستحدث بين واشنطن والدول المغاربية خلال السنوات الأخيرة، وبلا شك فإن الإدارة الجديدة لن تتخلى عن هذه المعطيات بل ستعمل على تعزيزها أكثر وفق البراغماتية التي تميز سياسات المسؤولين الأمريكيين. وبالنسبة للجزائر فإن هذا التقارب برز بشكل جلي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 عندما أبدت الولاياتالمتحدةالأمريكية اهتمامها بالتجربة الجزائرية في مجال مكافحة الإرهاب، حيث تكثفت زيارات المسؤولين الأمريكان إلى بلادنا بحثا عن تنسيق فعلي للتصدي لهذه الظاهرة، وفي هذا الصدد تم الإقرار بالدور الفعّال الذي تقوم به الجزائر من أجل اجتثاث ظاهرة الإرهاب، بل أكثر من ذلك ذهب المسؤولون الأمريكيون مثل كولن باول الذي زار الجزائر في 2003 عندما كان وزيرا للخارجية الأمريكية إلى دور الجزائر في إنقاذ العديد من أرواح الأمريكيين. وهي النظرة التي تقاسمها معه وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد الذي زار الجزائر سنة 2006 حيث وصف تعاون بلاده مع الجزائر في مجال مكافحة الإرهاب ب "الوثيق" وأن الولاياتالمتحدة تولي قيمة عليا لذلك. من جانبه كان سفير الولاياتالمتحدة الجديد في الجزائر ديفيد بيرس قد أكد الأسبوع الماضي أن العلاقات الأمريكيةالجزائرية عرفت تطورا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن بلاده ستستمر في دعم الجزائر في مكافحة الإرهاب. وقال بيرس عقب تسليمه أوراق اعتماده إلى وزير الخارجية مراد مدلسي أن "واشنطن مازالت متمسكة بمساعدة الجزائر في مجال مكافحة الإرهاب وملاحقة التنظيمات الإرهابية". وكان الرئيس الأمريكي جورج بوش قد أكد عقب التفجيرات الإرهابية التي استهدفت الجزائر استعداد واشنطن مد يد المساعدة للجزائر بكل الوسائل والتجهيزات لمكافحة الإرهاب. من جهة أخرى وعلى صعيد التعاون الاقتصادي أفاد تقرير حديث أن العلاقات الثنائية شهدت نموا ملحوظا على مدار الأعوام الأخيرة، حيث سجل التبادل التجاري بين البلدين خلال ال 11 شهرا من العام الماضي 19.469 مليار دولار بارتفاع نسبته 23 مقارنة بالعام 2006 . وعزا التقرير الصادر عن وكالة التجارة الأمريكية هذا النمو إلى بلوغ صادرات الجزائر نحو الولاياتالمتحدة 1781 مليار دولار أمريكي خلال تلك الفترة وبنسبة نمو 1527 مقارنة بسنة 2006، وفي المقابل حققت الواردات 1653 مليار دولار بزيادة قدرها 4997 مقارنة بواردات 2006 . واحتلت الولاياتالمتحدة بهذه النسب المرتفعة مركز الصدارة ضمن قائمة البلدان التي تصدر إليها الجزائر بحصة تجاوزت 25 من حجم الصادرات تبعتها إيطاليا ثم إسبانيا وبعدها فرنسا وأخيرا كندا، فيما تحتل الولاياتالمتحدة المركز الرابع ضمن قائمة الدول الموردة للجزائر تسبقها فرنسا والصين وإيطاليا. كما أظهر التقرير أن الجزائر تحتل المرتبة الثانية في الاستفادة من الاستثمارات الأمريكية في القطاع النفطي بعد المملكة العربية السعودية. وفي هذا الصدد تسعى الجزائر إلى رفع حصتها في مجال صناعة الغاز برفع حصتها في السوق الأمريكي إلى حوالي 20 في آفاق 2015، مما يجعلها من أهم مموني الولاياتالمتحدةالأمريكية بهذه المادة الحيوية والاستراتيجية . وفيما يتعلق بمجال الطاقة الكهربائية يشار إلى أن الشركة الأمريكية جينيرال إلكتريك التي تعد إحدى أهم الشركات في الولاياتالمتحدة قامت في ماي 2007 بتنفيذ مشروعين من بين خمسة مشاريع تتعلق بإنجاز محطات كهربائية عبر القطر الوطني كما أشرفت هذه الشركة على إنجاز محطة تحلية مياه البحر بمنطقة الحامة بالعاصمة والتي بدأت عملها مؤخرا.