صدم موقف الإدارة الأمريكية برفع يدها عن عملية السلام وإعلانها صراحة تخليها عن ممارسة ضغوط على إسرائيل لوقف الاستيطان السلطة الفلسطينية ودفع برئيسها محمود عباس إلى البحث عن وسيط جديد للتوصل إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة عبر البوابة الأوروبية.ونفضت الولاياتالمتحدةالأمريكية يديها من قضية الاستيطان التي تشكل أهم عقبة أمام تفعيل مفاوضات السلام المتعثرة منذ سنوات بين الفلسطينيين والإسرائيليين لترمي بالكرة في مرمى السلطة الفلسطينية التي تركتها وحيدة في مواجهة صخرة الصد الإسرائيلية. وكان مسؤول رفيع في البيت الأبيض الأمريكي أعلن عن فشل المحاولات الأمريكية في إقناع إسرائيل بتجديد تجميد جزئي للاستيطان إلا أنه أضاف أن ''هذا لا يعني أن واشنطن لن تحاول إحياء المحادثات المعلقة منذ نهاية فترة تجميد إسرائيل الجزئي لبناء المستوطنات أواخر شهر سبتمبر الماضي''. وجاء الموقف الأمريكي ليشكل صدمة للسلطة الفلسطينية التي عولت كثيرا على إدارة الرئيس باراك اوباما من اجل إيجاد مخرج للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وهي التي أمطرت الفلسطينيين بوعود وردية بتحقيق حلمهم في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية. ولم يجد الرئيس الفلسطيني من وسيلة للتعبير عن صدمته سوى القول أن مفاوضات السلام دخلت ''أزمة صعبة'' وقال خلال لقائه برئيس الوزراء اليوناني جورج بابندريو بالعاصمة أثينا أمس ''لا يوجد أي شك أن هناك أزمة وأزمة صعبة''. وأعرب عباس عن آماله في أن يلعب الاتحاد الأوروبي دورا في تفعيل عملية السلام الى جانب الولاياتالمتحدة. ودفع الموقف الأمريكي بياسر عبد ربه احد أعضاء الوفد الفلسطيني المفاوض إلى طرح التساؤل حول قدرة الرئيس باراك اوباما في دفع العملية السلمية قدما نحو الأمام وهو الذي عجز حتى عن إقناع إسرائيل بوقف الاستيطان لفترة مؤقتة. وقال عبد ربه ''أن سياسة الولاياتالمتحدة فشلت بسبب الضربة التي تلقتها من قبل حكومة الاحتلال''. وأضاف أن هذا الفشل يدفع الفلسطينيين إلى التوجه نحو المجموعة الدولية لإشراكها في تفعيل عملية السلام. في إشارة واضحة إن الوساطة الأمريكية لم تعد قادرة على تقديم أي جديد لهذا الصراع المعقد والقديم. والتساؤل نفسه طرحه نبيل شعث عضو اللجنة المركزية لحركة ''فتح'' الذي أعرب عن استيائه لتخلي الإدارة الأمريكية عن مسعاها الرامي إلى إقناع إسرائيل بتجميد بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة .وقال شعث ''يبدو واضحا أن الولاياتالمتحدة قد فشلت في سياسة الجوائز والإغراءات لإسرائيل لكي تقوم بتحقيق الالتزامات التي تعهدت بها في كل الاتفاقات السابقة''. وأضاف ''كيف تكون الولاياتالمتحدة هي راعية عملية السلام وتعجز في أن تجعل إسرائيل تنفذ أحد الالتزامات التي نصت عليها الاتفاقات''. والحقيقة أن الولاياتالمتحدة التي اثبتت مرارا عدم قدرتها على تمرير منطقها على إسرائيل كانت قد مهدت لمثل هذا الموقف بعدما التزمت الصمت طيلة مدة الشهر التي منحها لها العرب من اجل إيجاد مخرج لعقبة الاستيطان.وكان واضحا أن واشنطن قد فقدت قدرتها في معالجة القضية الفلسطينية لا لسبب إلا لأنها تخلت عن صفة الوسيط وانساقت بدون هوادة إلى جانب الطروحات الإسرائيلية على حساب الحقوق الفلسطينية المغتصبة.وهي حقيقة تدركها السلطة الفلسطينية وكل العرب الذين وضعوا ثقتهم في الإدارات الأمريكية المتعاقبة رغم فشلها المتوالي طيلة السنوات الماضية وابقوا على هذه الثقة قائمة رغم الطعنات التي تلقوها من قبل واشنطن لصالح إسرائيل. وبقدر ما أثار الموقف الأمريكي استياء وخيبة أمل لدى الطرف الفلسطيني فقد رحبت به إدارة الاحتلال التي اعتبرته بمثابة انتصار لها. وعمت مشاعر الفرحة لدى المسؤولين الإسرائيليين الرافضين للسلام ومن ضمنهم داني ديان رئيس أهم منظمة للمستوطنين الذي اعتبر أن ''إسرائيل لم تخضع للضغوط الخارجية ونحن لم نسقط على رؤوسنا'' وأضاف أن الولاياتالمتحدة نفسها لم توجه أي انتقاد لإسرائيل التي رفضت دعواتها لوقف الاستيطان لمدة ثلاثة أشهر.وليس ذلك فقط فقد اعتبر هذا المستوطن المتطرف أن التراجع الأمريكي ''دليل على مصداقية إسرائيل التي أكدت مرة أخرى أنها لن تنصاع لأي ضغوط من أي جهة كانت''. والمؤكد أن هذا الفشل الأمريكي لن يزيد إلا في تعنت إسرائيل التي تواصل اعتداءاتها ضد الفلسطينيين مادامت لا تجد من يردعها أو حتى يتجرأ على انتقاد تصرفاتها العدوانية.وفي هذا السياق أقدم الجيش الإسرائيلي أمس على تدمير حوالي عشرين مبنى فلسطينيا في الضفة الغربية بزعم أنها بنيت دون تراخيص.وإذا ما علمنا أن المباني التي تعرضت للهدم توجد بالقرب من مستوطنة يهودية بشمال الضفة الغربية يتأكد أن حكومة الاحتلال تسعى إلى توسيع هذه المستوطنة لكن على حساب تشريد المزيد من أبناء الشعب الفلسطيني وابتلاع المزيد من أراضيهم.