العقلاء والأخصائيون الاجتماعيون يتساءلون عن دور الأولياء والمجتمع المدني لقت أعمال الشغب والتخريب التي طالت الكثير من الأملاك العمومية والخاصة، استنكارا واستهجانا من طرف العقلاء وعلماء النفس والأخصائيين الاجتماعيين والتربويين، الذين حذروا من غياب الدور الأبوي وكذا دور المجتمع المدني، رغم الكم الهائل من الجمعيات التي تغطي التراب الوطني، كما نبه الأخصائيون الاجتماعيون الى ان الجزائر أصبحت تعاني من ظاهرة الانحراف واللصوصية التي تعتبر بديلا للإرهاب. أباء يبكون تحطيم المصانع بعد عطلة الأسبوع، استيقظ الآلاف من أرباب البيوت على يقين أنهم أحيلوا على التقاعد الاضطراري بفعل الشغب والعنف، بعد تعرض مقرات عملهم للتحطيم والتخريب والحرق، دموع انهمرت من عيون عمي محمد الذي تعرض مقر عمله للتحطيم الكلي يقول:''33 سنة كاملة من العمر قضيتها في ذلك المكان الذي أمّنت به مستقبل أبنائي الدراسي والمعيشي، لم نكن نشكو الحاجة لكنني اخشى الآن ان ابقى بدون عمل، لقد اصبت بنوبة بكاء عندما وقعت عيناي على المعمل، هل هذا معناه ان كل السنوات التي قضيناها في هذا العمل لخدمة الناس لم تشفع لنا بالدفاع عنه؟ اما السيد فريد العرباوي الذي تعرضت وكالته الخاصة للسياحة والأسفار للتحطيم والتخريب يقول: ''لا أجد العبارات التي تعبر عن أسفي وحزني، لقد حطموا كل الأشياء واخذوا كل الكمبيوترات التي تحمل المعطيات التي نعتمد عليها في العمل، ولإعادة كل هذا احتاج ل 20 سنة أخرى من الكد والجهد لإعادة ما ضاع، تصوروا حتى البدل التي كنت أضعها في الخزانة وعددها ثلاثة أطقم سرقت، كما تم تحطيم كل الأشياء التي نعتمد عليها في العمل من مكاتب وكراسي. مشكل تربية... وضعف روح المسؤولية ويرى الدكتور طعبلي أخصائي في علوم التربية بجامعة بوزريعة، ''أن هناك امرا هاما يجب التنبيه له وهو ان روح المواطنة موجودة لدى الجزائري، والدليل غيرته الكبيرة على الوطن وحنينه الكبير اليه وتعلقه به، فقد شاهدنا ان الكل التف حول الفريق الوطني من الداخل وفي مشارق الأرض ومغاربها، إلا ان مجمل الأحداث التي حدثت مؤخرا تشير الى ضعف الوازع الديني وضعف روح المسؤولية، لأن الإسلام أعطى الأهمية القصوى للارتباط بالأرض والوطن وروح المواطنة، وهذا لم نجده حاضرا خلال تلك التصرفات، التي تعود لانعدام روح المسؤولية او التسبب في أداء الغير، وهنا يتجلى الإخفاق الرهيب في التربية وجهل الآباء في كيفية تقديم أسس تربوية لأبنائهم، فالشخص الذي يحرق مدرسة او مستوصف سيحرم الآلاف من العلاج والآلاف من الدراسة ايضا، علاوة على حرق مراكز الضمان الاجتماعي الذي يقع ضرره الكبير على المرضى، والمشكل الكبير الذي يقود الى مثل هذه التصرفات هو مصطلح ''البايلك'' ''و الملك المشاع'' مثل بعض المرافق، بحيث يخيل انها سهلة المنال والكل بإمكانه أن يأخد منها. وهنا أود التوضيح أن هناك عاملين ساهما في هذا الوضع، وهما ان المجتمع لم يقم بدوره في توعية الشباب وتعليمهم كيفية الدفاع عن الحقوق، وعامل آخر وهو بوابة المطالبة بالحقوق. وأشار الأستاذ (ك. ع) إلى الغياب الكلي لدور الآباء والمجتمع المدني يقول''أننا نعيش أزمة حقيقية تكمن في الغياب الكلي للحوار بين الآباء والأبناء، كونهم لم يتلقوا سبل التعامل مع الآخر أو التعامل مع المواقف، وهنا نؤكد على وجود أسس تربوية، بحيث لم يتلق الأبناء الطرق الأساسية للتفاعل مع الحدث أو الحال، بحيث أصبح العنف هو لغة الحوار الوحيدة، ونحن نتساءل هنا عن دور المجتمع المدني الذي لم يقدم حتى النصيحة للأسف''. وترى أستاذة أخصائية في علم الاجتماع بجامعة بوزريعة، أن التصرفات الخشنة تعود للتفكير القبلي الذي مازال راسخا فينا، فالخشونة من صفاتنا، وهذا معناه أننا مازلنا بصفات قديمة في زمن جديد، بحيث اختار هؤلاء لغة الخشونة للمطالبة بالحقوق، وهنا أود التوضيح إلى أن المجتمع لم يضع لنفسه أطرا للتجمع ولتقديم الاحتجاجات بطرق سلمية وحضارية، لهذا وجد الشارع أقرب الطرق للتعبير عن الاحتجاجات، فنحن بحاجة ماسة للآذان الصاغية، كما أن المجتمع المدني لم يظهر رغم أن من مهامه التكفل بمثل هذه الأمور الهامة. كما أود التنبيه إلى أن الجزائر تعرف ظاهرة اللصوصية التي أخذت بعدا آخر بعد الإرهاب، علاوة على الفراغ المؤسساتي أي أن المؤسسات الثقافية والتربوية فقدت المنظومة المعيارية والقيمية أي ''طاق على من طاق''، وهو الأمر الذي يشير إلى أن هذا الشباب وسلوكاته منتوج مجتمع.