تسترجع الذاكرة العاصمية هذه الأيام قعدات زمان الموسيقية التي كانت توقعها النساء بإبداع راق في الحفلات والمناسبات العائلية وعلى الرغم من تراجع هذه القعدات إلا أن الحنين إليها لا يزال موجودا يعكسه الجمهور المتلهف لهذه الذكريات والتي ميزت حياة العاصميين لقرون طويلة. يحتضن مركب العادي فليسي وإلى غاية 23 أفريل الجاري فعاليات »قعدات زمان« وهو برنامج موسيقي مستوحى من التراث الموسيقي الجزائري الأصيل الذي يحمل الجمهور إلى من زمن الإيقاعات الجميلة التي صنعت أفراحه وأعراسه التقليدية التي تمتزج فيها أصوات النسوة بدقات الدربوكة والطار والبندير. يشارك في هذه الفعاليات التي تنظمها مؤسسة فنون وثقافة ألمع الأسماء الغنائية العاصمية. كما أن التظاهرة وجه آخر من الاحتفالية بشهر التراث الذي يخلد وينبش في كل ما له علاقة بتاريخنا وتراثنا الوطني. لم تستطع الأيام أن تمحو تراث فنانات صنعن أمجاد الأغنية العاصمية خاصة في الطبع الحوزي والمسامعي على غرار مريم فكاي وفضيلة الدزيرية والشيخة تيطمة وفطوم البليدية وسلطانة داود والزهرة وغيرهن. غنى هذا الجيل من العمالقة قصائد لابن مسايب واليعقوبي ومحمد بن سهلة وبن تريكي وأحمد زنقلي وحافظن في حفلاتهن على اللباس التقليدي وخصوصياته. للإشارة فإن من بين المشاركات في التظاهرة الفنانة نوال اسكندر التي تعتبر الأكثر طلبا في الأعراس العاصمية علما أنها تغني وترقص كما أنها من عائلة فنية وعرفت باللوحات الراقصة التي كانت تؤديها في الأعراس والتي حققت نجاحا واسعا منذ الثمانينيات وكل التراث الذي التزمت به بفضل والدتها المسامعية السيدة فتيحة الجزائرية. كما شاركت في هذه التظاهرة لطيفة بن عكوش ودليلة نعيم وكل منهما لها تجربتها مع هذه القعدات الموسيقية التقليدية، فمثلا لطيفة تزاول هذا الفن منذ السبعينيات، حيث كونت فرقتها النسائية التي دخلت الساحة بثبات ولاقت احترام العائلات الجزائرية لأنها تقدم فنا أصيلا لايختلف عن فن الفنانات الرائدات ولا مكان للفن الهابط الذي يشوه هذه القعدات التي يختار أصحابها من العائلات العاصمية لطيفة بالاسم وتحترمها. أما حسيبة عبد الرؤوف فإنها ترى نفسها خليفة الراحلة فضيلة الدزيرية وتحرص في مثل هذه القعدات على المشيخة، ذلك أنها تحب أن تعيش مع الحاضرات من السيدات عرسا تقليديا بأتم معنى الكلمة يعكس تراثنا وهويتنا، كما تحرص على أن تكون انطلاقة القعدة من التراث الغنائي الأصيل خاصة في الحوزي والأندلسي. للتذكير فإن هذه التظاهرة تستمر إلى غاية سهرة السبت ابتداء من الثامنة ليلا وتشهد أجواء احتفالية حميمية تعيد الحضور إلى أعراس القصبة واحياء العاصمة القديمة أين كانت تقام في أفنية البيوت وسطوحها لكنها كانت آية في الإبداع الموسيقي و»حطات« القعدة من حلويات تقليدية ومشروبات وبوقالات وحضور للأزهار والرياحين والياسمين وغيرها من مظاهر الاحتفال.