أمور كثيرة تمنيت أن تتحقق في بلادي بعد الاستقلال، وهي ذات علاقة بالشأن التاريخي والثقافي بصورة عامة. في الصبا الأول، كنت أمر بالقرب من سجن سركاجي العتيد وأنا لا أعلم إلا النزر اليسير عن تاريخه والرجال الذين كانوا يقضون به جزءا من أعمارهم، سواء أكانوا من الوطنيين أم من الصعاليك. وكنت أمر أيضا بالقرب من قلعة الامبراطور، أو ''برج بوليلة''، حسب تسمية أهل القصبة في الزمان الماضي، ولا أكاد أعرف عنه شيئا أيضا اللهم سوى أنها آخر قلعة تحصن فيها أهل القصبة والمدافعون عن عرض الجزائر يوم 4 جويلية 1830 قبل تفجير أنفسهم أو تفجيرهم جميعا من قبل المدفعية الاستعمارية. ولذلك، حبذت دائما وأبدا أن يتحول سجن ''سركاجي'' إلى متحف يضم المقصلة التي فصلت رؤوس الجزائريين عن أجسادهم قبل الثورة الجزائرية وفي أثنائها. وأن يقوم أبناء الجزائرالجديدة بالاختلاف إلى هذا المتحف لتأكيد هويتهم على مر الزمن.. لكن، يبدو أن هذا السجن عاد إلى دوره الأول، أي، إلى أن يكون موئل الصعاليك بدلا من أن يكون جزءا من تاريخنا المشرق. فلم، يا ترى، لم تفكر وزارة المجاهدين، أو وزارة الثقافة، في تحويل هذا السجن إلى متحف تتواصل فيه الأجيال الطالعة مع تاريخها الأصيل العريق؟ وكذلك الشأن بالنسبة لقلعة الإمبراطور، تلك التي احتمى بها الغازي الاسباني ''شارل الخامس'' ثم انصرف عنها مهزوما مدحورا بداية القرن السادس عشر. ما زلت أذكر كيف أن العديد من الجزائريين المناضلين اقتيدوا إليها في عام 1957 لكي يتلقوا بها عذابا نكرا من قبل المظليين الفرنسييين. وما زالت هذه القلعة إلى حد الساعة مختفية وراء أشجار كثيفة وأسوار عالية مع أنها جزء من تاريخ الشعب الجزائري. إننا نمر مرور الكرام أو مرور الساهين الغافلين عن أمجادهم وأصولهم، ونبكي بعدها إن رأينا أسباب المنكر هنا أو هناك في هذه الجزائر. التاريخ على مرمى حجر منا، وفي مقدورنا أن نضعه في زواداتنا ونصطلي بدفئه في وجه أي زمهرير ثقافي أو غير ثقافي. فلم هذا التردد كله من جانبنا؟