كعادته، استقطب معرض الكتاب الدولي الذي يعد أكبر حدث ثقافي سنوي بالجزائر، الآلاف من الشغوفين بالقراءة والمطالعة، فضلا عن التجار الباحثين عن مثل هذه الفرص من أجل التزود ب''سلعة'' لايبدو أنها ستعرف الركود رغم كل مايقال عن تراجع المقروئية. تواجدنا بأروقة صالون الكتاب ''سيلا'' تزامن مع عشية الثلاثاء التي تعد فترة راحة للتلاميذ، وهو ما أتاح لهم ولأوليائهم القدوم بإعداد كبيرة للبحث عن آخر الإصدارات. في الأول، نسينا أمر راحة نصف الأسبوع وتساءلنا عن سبب هذا التواجد الكثيف للعائلات في المعرض، والذي بدأ يلوح في الطريق المؤدي إلى الصالون، الذي كان على غير عادة أيام الأسبوع مكتظا جدا، مما أعاقنا عن الوصول في الوقت المحدد. وسرعان ماتذكرنا أن أمسية الثلاثاء تعد يوم راحة للتلاميذ، وهو ما اعتبر فرصة للأولياء من أجل التنقل إلى هذا الفضاء الثقافي علهم يجدون ضالتهم، لكن السؤال الذي طرحناه عليهم هو ''ماهي هذه الضالة''؟. الإجابات اِلتقت كلها في ''الكتب المدرسية'' و''قصص الأطفال'' التي كانت متوفرة بأنواع وأسعار ولغات مختلفة، ولهذا فإن توجهات الأولياء تباينت بين فئة تبحث عن إصدارات دور النشر الفرنسية التي حضرت بقوة مثل السنوات الماضية، وعرضت كتبا دراسية جد لافتة بشكلها وألوانها الجميلة، وفئة تريد أن ترضي أبناءها لكن في الاتجاه المعاكس، أي لدى دور النشر الجزائرية والعربية التي حاولت أن تقدم منتجات للأطفال باللغة العربية خصيصا وبأسعار بدت معقولة، حتى ولو كانت أقل جودة في إخراجها. وحسب بعض العارضين الذين تحدثنا إليهم وهم يمثلون دور نشر فرنسية، فإن ماميز هذه الطبعة هو الإقبال الكبير على الكتب الفرنسية للكبار والصغار أيضا.أحدهم استغرب وهو يروي لنا مدى الإقبال الذي يشهده الصالون في نهاية الأسبوع، من أن أغلبية الأطفال الذين جاؤوا للصالون يتحدثون بالفرنسية ويبحثون عن كتب بهذه اللغة، وهو ما أرجعه لكون أغلبيتهم يتابعون تعليمهم في مدارس خاصة. جناح دار ''هاشيت'' المعروف بعرضه للقواميس وكتب تعلم اللغات، كان مكتظا بالزائرين الباحثين عن آخر الإصدارات في هذا المجال، بعضها نفذ منذ أيام -حسب ما أكده- لنا أحد ممثلي الدار الذي أشار إلى أن إحدى القواميس المعروضة بيعت في ثلاثة أيام فقط! واعتبر ياسين، الذي زار المعرض من أجل اقتناء كتب لابنة أخته، أن الأسعار جد مرتفعة، مشيرا إلى أنه أنفق أكثر من ثلاثة آلاف دينار لاقتناء كتب أطفال، أحدها تجاوز ثمنه الألف دينار! وتأسف لذلك لأنه كان يود أن يلبي كل طلبات قريبته الصغيرة، إلا أن الأسعار حالت دون ذلك. الإقبال على القواميس والموسوعات أمر يتكرر في كل طبعة، مثله مثل الإقبال على الكتب الدينية التي تختص فيها الكثير من دور النشر العربية لاسيما اللبنانية والمصرية، إضافة إلى جناح المملكة العربية السعودية. وقد عجت هذه الدور بالعشرات من الزوار الذين آتى بعضهم لاقتناء هذه الكتب بغرض التجارة وآخرون كانوا هناك للبحث عما يجيب عن انشغالاتهم في هذا المجال. وعرضت بالمناسبة أنواع كثيرة من المصاحف بكل الأحجام، وفي الجديد مصحف يمكن قراءته بقلم اِلكتروني. هذا الأخير، حسب ما أوضحه لنا ممثل دار المعرفة اللبنانية، يمكّن صاحبه من الاستماع إلى الآية بمجرد وضع القلم عليها، بل إنه يمكنه من الاستماع إلى تفسيرها وكذا إلى ترجمتها وترجمة تفسيرها إلى عدة لغات عالمية. ورغم ثمنها الغالي الذي يتراوح بين 9000دج للنسخة الصغيرة و30000 دج للنسخة متوسطة الحجم، فإن الإقبال على اقتنائها كان كبيرا -حسب ذات المتحدث- الذي أكد أن هناك نسخة واحدة فقط من الحجم الصغير بقيت للعرض. من جانب آخر، تعمدت دور نشر عربية وجزائرية إلى جلب الجنس اللطيف من خلال أسعار ترقوية طبقتها على كتب الطبخ التي لاقت اهتماما فعليا من طرف النساء، إضافة إلى بعض الكتب المتعلقة بالحياة اليومية؛ كالتجميل والماكياج والديكور وحتى العلاقات العاطفية والزواج والأبراج... ومواضيع أخرى عادة ما تجلب اهتمام المرأة، حتى أن بعض الناشرين طبقوا سعرا موحدا على مثل هذه الكتب قدر ب 150 دج للكتاب الواحد. لكن مايلاحظ عليها أنها كتب خاوية في مضمونها بالرغم من عناوينها المثيرة، فبمجرد تصفحها نلاحظ أنها تتضمن مواضيع أُخذ أغلبها من شبكة الانترنت وجُمع في كتاب، حتى أن بعضها يبدو جد تافه، وهو مايطرح أسئلة حول الدور الذي من المفروض أن يلعبه الناشرون العرب لتحسين مستوى المقروئية والابتعاد عن المواضيع المستهلكة، لاسيما في الوقت الراهن الذي أصبح فيها تحميل الكتب من مواقع اِلكترونية أمرا سهلا ومنتشرا، وهو مايجرنا للحديث عن الكتب العلمية باللغة العربية التي تغيب بصفة شبه كلية، في وقت لجأت بعض الدور الأجنبية ومنها الهندية على توفير مثل هذه الكتب بالانجليزية. هذه الأخيرة باتت تجلب إليها الكثيرين ممن أصبحوا يدركون أهمية إتقان هذه اللغة، ولذا لجأت دور نشر كثيرة منها جزائرية وعربية وأجنبية على توفير كتب وقواميس وحتى أقراص سمعية وبصرية، كلها تهدف إلى تعليم الكبار والصغار لغة شكسبير. وشاركت دار أوكسفورد الانجليزية بقوة في هذا الموعد من خلال عرضها لكتب وقواميس بشكل ومضمون رفيعي المستوى، إضافة إلى قصص باللغة الانجليزية، لكن بأسعار مرتفعة نسبيا، جعلت الكثير من زوار جناحها يكتفون بتأمل هذه الكتب الجميلة بألوانها ونوعية ورقها وغلافها. وفي الصالون كذلك الكثير من الكتاب الذين أتوا لتوقيع إصداراتهم للزوار المهتمين بها.... بعضهم كان محاطا بمجموعات من المنتظرين الفرحين بلقاء من عرفوهم عبر الكلمات، وبعضهم الآخر كان جالسا وحيدا بين كتبه ينتظر من يطلبها ويبحث في عين كل مار عبر جناحه، عن اهتمام قد يخرجه من حالة الانتظار.