استضافت الندوة الرابعة من الأسبوع الثقافي الذي تنظمه مديرية النشر للمؤسسة الوطنية للاتصال، النشر والاشهار، في لقاء أمس، بمركز ”مصطفى كاتب” عددا من الاعلاميين الذين قدموا مؤلفاتهم التي ضمت مقالاتهم وتجاربهم التي اكتسبوها من خلال الممارسة الصحفية. في كلمته الترحيبية، أكد الشاعر عبد الرزاق بوكبة، أن ّهولاء الإعلاميين قدموا كتابات ثرية ومثيرة تحتاج إلى الانتباه والتثمين رغم تفاوتها. اللقاء الذي حمل عنوان ”إعلاميون كتبوا” نشطه الأستاذ خليفة بن قارة الذي اعتبر إبداعات الاعلاميين زادا سمينا للساحة الثقافية الجزائرية، علما أن أصحابها أحدثوا هوجا وفتحوا أفقا جديدا لأصحاب مهنة المتاعب كما قدموا قيمة مضافة للمكتبة الجزائرية. أشار الأستاذ بن قارة أيضا إلى أن رجال الإعلام عندنا اقتصروا فيما مضى على نقل الأخبار وبالتالي بقيت هذه الصورة النمظية، تمنعهم من الولوج إلى الساحة الثقافية إلى أن تمكن بعضهم من كسر هذه الصورة ليخوضوا تجربة جديدة هي تجربة الإبداع. ضمت الندوة الإعلاميين التالية أسماؤهم وهم حميد عبد القادر وعثمان لحياني وفتيحة زماموش ونزيم عزيزي وعاشور فني والسيدة صورايا بوعمامة التي بادرت بالتدخل لتروي قصة دخولها عالم الكتابة والتأليف لتنشر ”أوراق لم تكن للنشر” وتقول ”الكتابة هي حديث عن أمر مألوف بالنسبة للصحفي بدأت فيه وتمكنت قبل أن تظهر الوسائل والتقنيات الأخرى من الاتصال، علما أن سمات الصحفي الناجح هو قلمه السيال”. لتؤكد أنها كانت تكتب مقدمات الأخبار التي تقرأها وكذا نصوص الربورتاجات واقتنعت أن الكلمة لها دورها الثقيل في عالم الصورة وهكذا اختمرت بداخلها الافكار والتجارب لتكتب كما كانت تكتب نصوص الانشاء وهي لا تزال تلميذة في المدرسة لتتعزز هذه الكتابة في مرحلة الجامعة مع البحث العلمي إلى أن كتبت مؤلفها الذي تعتبره آخر مرحلة عاشتها من مراحل الكتابة، واستطاعت فيه أن تشارك الآخر بالأفكار والتجارب وما عاشته بصدق وقدرة. تقول الكتابة ”عندنا في الجزائر غير مغرية لكنها تأتي من الرغبة والإرادة والمحفزات وهنا يحضرني الدور الذي قامت به معي السيدة قبلي مديرة النشر بالمؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والاشهار حيث دفعتني دفعا إلى الكتابة وكنت في كل مرة أتوقف ثم أواصل ببطئ شديد إلى أن عشت اللحظة المناسبة كنت يومها وحدي بالمنزل قبالة التلفزيون فشاهدت على قناة تونسية بذعر مذبحة الشعابني بتونس ومقتل الجنود والدماء، وصراخ العائلات، فنهضت وثرت وأغلقت باب غرفتي ولم أكف ليلتها عن الكتابة حتى الصباح أي حتى انتهاء كتابي، لقد تذكرت ما عشته كصحفية وكإنسانة في العشرية السوداء، ورأيت أن تونس تعيش الحالة الجزائرية مرة أخرى، فكتبت بقلبي وروحي.. ”أنا التي قدرت أكثر من غيري حالة السلم والاستقرار بالجزائر لأنني عشت الهول”. الصحفي عثمان لحياني صاحب كتاب ”تونس حالة ثورة” رصد مجريات الثورة التونسية وصورها بعين مجردة وتابع مسيرتها عبر كل المراحل. يشير لحياني إلى أن فكرة الكتاب تخمرت في ذهنه منذ الأيام الأولى للثورة التونسية إذ فكر في تحويل زخمها الذي كتبه ونشره في جريدة ”الخبر” إلى كتاب وسرعان ما تبين له أن الكتابة اليومية الصحفية ليست هي نفسها الكتابة في المؤلفات لذلك كان من الضروري تحديد الرؤية وإعادة وصياغة وقراءة الأحداث التي نشرها عن تونس بتأن وهذا ما سيسمح بجعل الكتاب وثيقة تاريخية للثورة التونسية (14 جانفي 2011). لحياني كان في لب الأحداث منذ الشرارة الأولى لهذه الثورة التي بدأت بمطالب اجتماعية بسيطة ليزج بها في حراك سياسي وإيديولوجي تماما كما حدث مع مظاهرات 5 أكتوبر88 بالجزائر وما انجر عنها من صراع بين الايديولوجيات ومختلف الاتجاهات السياسية بدا فيها الصراع واضحا حول مشروع المجتمع الجديد يقول لحياني ”زرت تونس بعد 5 زيام من موت البوعزيزي وسرعان ما شهدت الحراك الحاصل لمختلف القوى الاجتماعية إلا أن المجتمع التونسي المتماسك حال دون العنف ووقف ضد الحركات الجهادية التي أرادت أن تفرض بعض السلوكات الجديدة كالشرطة الدينية والأسواق الخاصة”.ذكر لحياني أيضا علاقته المتينة مع الشهيد شكري بلعيد في حين خصص الفصل الأخير من كتابه للتساؤل عن امكانية نجاح الانتقال الديمقراطي في تونس والدور الرائد للاتحاد العام للشغل، مع تثمين البيئة التونسية المعروفة بمستوى التعليم عند شعبها وابتعاده عن ثقافة العنف وكذا ايجابية الأحزاب السياسية بما فيها الإسلامية المعتدلة. الصحفية فتيحة زماموش حضرت حاملة كتابها الخاص بتفاعل الصحافة الجزائرية مع الثورة التونسية والذي يحمل عنوان ”الحراك الإجتماعي في تونس من خلال الصحافة الجزائرية”، معتبرة المؤلف دراسة أكاديمية في المقام الأول فهو تحليل لمقالات نشرت في جريدة ”الخبر” عبر فترات متعددة علما أنها زارت تونس قبل وأثناء وبعد الثورة، وتبقى هذه الدراسة -حسبها- الأولى والوحيدة في الجامعة الجزائرية، وقد عثرت فيها على 14 مصطلحا خاصا بهذه الثورة أو ما عرف ب ”ثورة الياسمين” كلها خاصة بجريدة ” الخبر” لكن المتحدثة بقيت متحفظة من نجاح هذه الثورة لأن حراكها لم ينته بعد كما أن الباحث حسبها ليس من شأنه أن يحكم على الثورة إذا ما كانت ناجحة أو فاشلة لأنها متواصلة ولا يعرف بعد ماذا ستؤول إليه. الصحفي حميد عبد القادر صاحب كتاب ”أسفار الزمن البهي” أشار إلى أن مضمون كتابه يحمل مقالات نشرت له في ”الخبر” منذ 1990 وعبر 11 سنة من الكتابة في الشأن الثقافي ومما ذكره أن الوسط الإعلامي الثقافي تميز في الماضي بالتقسيم الفكري والإيديولوجي أي أن لكل صحفي انتماءه وقناعته التيي يجسدها في عمله وبالتالي كان كاتب مقالات أكثر من صحفي، لكن ابتداء من منتصف التسعينات أصبحت المهنة أكثر احترافية وحيادا وتراجعت المقالات الذاتية، إلا أن حميد بقي وفيا لأحلامه وقناعته وأفكاره وعلاقاته مع الكبار من قامة بن هدوڤة والطاهر جاوت. الأستاذ الدكتور عاشور فني صاحب الكثير من الكتب طيلة مشوار امتد ل28 سنة فقد اهتم أكثر بالكتابة، عن وسائل الاعلام للوصول إلى خط فكري وعلمي خاصة في مجال اقتصاد وسائل الإعلام، وعمل على تحويل النشاط الثقافي إلى مبحث اقتصادي ليؤكد أنه بإمكان العوامل الاقتصادية أن تتحكم في قطاعات غير اقتصادية لتدمرها كما فعلت مع الإعلام ومع الثقافة وذلك لأنه لم يتم الاستثمار في البنية الانتاجية لهذه القطاعات بمعنى تقديم أموال وجهود دونما تنظيم أو استراتيجية خاصة بوسائل الإعلام. في الأخير، تدخل نزيم عزيزي صاحب ”قاموس الدارجة الجزائرية” مثمنا مشواره الإعلامي الذي يقارب ال12 سنة متمنيا أن يكتسب في المستقبل المزيد من التجربة والمتعة.