"أتحفظ على مسألة الربيع العربي رغم أنه خدم القضية الصحراوية" بدأت الشاعرة والمناضلة الصحراوية نانا الرشيد، الحديث الذي جمعها ب"المستقبل العربي"، بالتأكيد على تزاوج النشاط الثقافي، السياسي، والنضالي، لدى المواطن الصحراوي بحكم البيئة التحررية التي يعيش فيها، معتبرة أن التزامها بقضيتها جعلها من الشعراء الملتزمين، كما عرجت الشاعرة على تجربتها الرائدة مع أول دار نشر في الصحراء الغربية، قبل أن تنتقل للحديث عن رؤيتها للوضع في بلادها، وبعض توجهاتها النضالية، معرجة على موقفها من الربيع العربي، وانعكاساته على القضية الصحراوية. حاورها: محمد كريتر • بداية كيف تحب الشاعرة أن تقدم نفسها للقارئ؟ "نانا الرشيد" شاعرة ومناضلة صحراوية، من مخيمات اللاجئين، كانت بداياتي الشعرية في 1990، وأنا في ال15 من العمر، لدي ثلاث مجموعات شعرية، إحداها مترجمة إلى الفرنسية، وحاليا أعمل على تحضير مجموعتي الشعرية الرابعة، وبحكم أننا كصحراويين شعب مسلوب الحرية، ويعيش تحت وطأة الاحتلال، فالنشاط الثقافي عندنا مقترن بالنشاط السياسي، حيث أني من نشطاء حركة التحرير، ومع أني لا أنتمي إلى أي هيئة حقوقية بحثة، إلا أني حقوقية بشكل أو بآخر، لأني وككل مواطن صحراويلا بد أن أتكلم في نشاطي عن انتهاكات حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، خاصة وأن أول انتهاك لحقوق الإنسان، هو منعه من حقه في تقرير مصيره، ثم تأتي الانتهاكات الأخرى. • هلا عدتي بنا إلى بداياتك مع النشاط النضالي، وكيف يستغل الكاتب الصحراوي إبداعاته الثقافية كوسيلة نضالية في خدمة قضيته؟ نحن الصحراويون مولودون مع هذا الاحتلال، فأنا من الجيل المولود مع الإرهاصات الأولى للثورة، والنشاط السياسي ليس اختيارا بالنسبة لنا، فكل واحد منا في إطار مهنته، ونشاطه، ومواطنته، وحتى إحساسه، يطالب باستقلال الصحراء الغربية، وحق شعبها في استعادة سيادة بلده، ويناضل بشكل أو بآخر من أجل هذا الحق المسلوب، وباعتبار أني من الجيل الذي حضي بحقه في التعليم، في إطار الاهتمام الذي أولته جبهة البوليساريو، بالقطاع الذي أنتج نخبة متعلمة من الشعب الصحراوي، كان توجهي النضالي مرتكزا بشكل أساسي على الجانب الثقافي، باعتبار أني شاعرة. أما بشأن توظيف الثقافة في النضال،أرى أنه ليس لدي مجال آخر لأكتب فيه، فالأمر ليس اختياريا بالنسبة لي، لأن الأدب والشعر وحتى الفن والموسيقى، تخدم قضايا إنسانية معينة، وطبعا أهم القضايا الإنسانية هي قضايا التحرير، معاناة اللاجئين، الأرض المحتلة، تطلعات اللاجئين الصحراويين الموجودة في عيون الأطفال، والنساء، أزمة الشتات، الواقع في الأرض المحتلة، كلها ظروف، عندما يجد الكاتب نفسه فيها، ليس بإمكانه تخطيها، لأن الشاعر كما يقال ابن بيئته، وبيئتنا هي بيئة تحرير. وفي الحقيقة هناك مجهودات كبيرة تبذل من طرف الكاتب الصحراوي، الذي يسخر كتاباته وإبداعاته لهذه القضية، لكن هذا الجهد يبقى قاصرا باعتبار أن العمل النضالي هو عمل مستمر، ومتجدد بتجدد الرهانات والمشاريع. • هل نستطيع القول بأن نانا، من الشعراء الذين نذروا شعرهم لخدمة قضيتهم، في إطار الالتزام الأدبي؟ أوافقك الرأي بالنسبة لمسألة الالتزام في الشعر، وأريد أن أشير إلى أن هناك من الناس الذين يدرسون الأدب سطحيا، من يرى أن الالتزام هو عدم تضمين الكتابات لكلمات قد يعتبرها البعض إباحية، ويربطونها بهذا الجانب، في حين أن الالتزام في الأدب، هو الالتزام بقصية ما، وتسخير الجانب الأدبي، والمحبرة والورق، لخدمتها، وإذا ما تابعنا الإنتاجات الأدبية التي تفوقت ونالت مراتب عليا، نجد أن الفضل في ذلك يعود لأنها خدمت قضايا إنسانية مشتركة، والمثال على ذلك رواد جائزة "نوبل"، الذين تناولوا قضايا إنسانية مشتركة، وعادة ما تكون هذه الأخيرة سببا في تضامن الشعوب فيما بينها، فبالنسبة للشعب الجزائري، هو متضامن مع القضية الصحراوية، من باب أنه عاني من قبل ويلات الاحتلال، فالشعبان يتقاطعان في هذا الجانب. وبالتالي يمكن القول أنه بالفعل الالتزام بقضية معينة، يصنع أديبا ملتزما، وأنا يشرفني أن أكون شاعرة ملتزمة بقضيتي. • عملت الشاعرة نانا على تأسيس أول دار نشر صحراوية، بالتعاون مع اليسار الفرنسي، حدثينا عن هذه التجربة الفريدة؟ بالنسبة لتأسيس دار النشر، هويهدف لربح المعركة الثقافية، فجبهة البوليساريو وكونها مديرة للشعب الصحراوي، وهي مؤسسة الدولة الصحراوية اعتنت بالعديد من الجوانب التي تصب في إطار بناء الدولة الصحراوية المستقبلية، حيث يتم العمل على وضع البنى التحتية لمختلف المؤسسات، من وزارات وإدارات مختلفة. ووجود دار نشر في مخيمات اللاجئين لا يعد طفرة، حيث سبق وأن وجدت مؤسسات أخرى وفي ظروف أصعب، وقد جاء ميلاد دار النشر هذه، تحت ضغط الحاجة القصوى للإنتاج الفكري والثقافي الصحراوي، من أجل كسر الحاجز الكبير الذي يصادفه الكاتب الصحراوي، والذي يحول في الكثير من الأحيان دون نشر كتاباته، وإبداعاته، ونقل معاناته، خاصة وأن الكتاب من أجمل، وأسهل، وأرقى وسائل التعريف بمعاناة شعب ما، لكن هذه الخطوة صراحة جاءت متأخرة، بالنظر طبعا للظروف المادية الاستثنائية التي تعرفها المخيمات، فالواقع يقول أننا شعب يعيش على المساعدات الإنسانية، لكن بالمقابل تعتبر الاستكانة لهذه الظروف الصعبة أمرا لا يقبله المواطن الصحراوي. وانطلاقا من ذلك، دأبنا منذ سنوات على البحث عن كيفية كسر هذا الحاجز الذي يحول دون تأسيس مثل هذه الصروح التي تعتبر من المظاهر الثقافية الراقية، والتي تخدم القضية، والهوية الثقافية الصحراوية، والأهم من كل هذا أنه يؤرخ لمرحلة تاريخية في مسيرة القضية الصحراوية، ويعطي للأجيال القادمة عن طريق الرواية، الشعر، القصة، كتب السياسة والتاريخ، حقوق الإنسان، والسير الذاتية، مادة تاريخية، من إنتاج صحراوي. إذن في إطار بحثنا عن كيفية تزويد المكتبة الوطنية، العربية، والعالمية، بكتب مذيلة بتواقيع صحراوية، تشبثنا بفكرة تأسيس دار نشر صحراوية، وجاء المشروع بدعم من دار نشر فرنسية، وفرت المطبعة، الاسم، وبعض التعاون الفني، وقد تمسكنا بالفكرة لأنه من الصعب جدا علينا الحصول على مطبعة ورؤوس أموال، ومشرفين، خاصة في ظل وجود أمور أكثر إلحاحا مثل الجانب التعليمي، الصحي، وغيرها، فاللاجئون يحتاجون إلى المياه والكتب المدرسية، وعلينا أن نراعي ما هو أكثر إلحاحا. ولله الحمد فبعد سنة وبضع شهور من تأسيس دار النشر طبعنا 5 عناوين، وما تزال الكثير منها قيض الطباعة، كما أدخلنا 5 آلاف كتاب إلى المخيمات، وأصبح الكتاب الصحراوي موجودا في المكتبات بالعديد من الدول، وقد تنوعت العناوين بين الدراسة، الأدب، القصة، وأيضا عرفت تنوعا من حيث الكتاب، حيث جمعت بين الكتاب في المخيمات، ونظرائهم في الأراضي المحتلة، الذين حلت مشكلتهم وأصبح بإمكانهم نشر إبداعاتهم دون تلك العقبات التي تفرضها عليهم السلطات المغربية. • كشاعرة مرهفة الحس وكمناضلة جادة تبحث عن نعمة الاستقلال للوطن الأسير، ألا يجعلك هذا ضائعة بين خيارات مصطلح "المقاومة"الذي يتراوح بين "السلم" تارة و"الحرب" تارة أخرى؟ جبهة البوليساريو اعتمدت منذ البداية على النضال المسلح، مركزة تحديدا على جناحها العسكري، من أجل افتكاك الصحراء الغربية من براثن الاحتلال، والجبهة أصلا تأسست من أجل مقاومة الاستعمار الإسباني، قبل أن تفاجئ بدخول القوات المغربية، التي احتلت أراضينا من جديد، فالسلاح هو وجه من أوجه الدفاع عن الأرض وحق الحرية. لكن وبالرغم من أنه من حقوقناالمشروعة لنا، الدفاع عن أرضنا بالسلاح إلا أننا لم نغفل الكفاح السلمي، وهناك تقدير كبير للجهود السلمية في الأراضي الصحراوية، فأنا ومع إيماني بفكر البوليساريو، ومؤمنة جدا بمبادئها في الدفاع عن الشعب والأرض الصحراوية، إلا أني أيضا من المؤمنين "بغاندي"، وبأسلوبه في المقاومة السلمية، وأشير هنا إلى وجود نماذج كثيرة ل"غاندي" في الأراضي الصحراوية المحتلة، ممن يمارسون المقاومة السلمية في أبهر صورها، فلا يحملون إلا العلم الصحراوي ويرددون شعاراتهم المطالبة بحق الحرية، ومع هذا يواجهون بأعتا الترسانات الحربية، وهم لا يكلون ولا يملون، فهذا وجه من أوجه المقاومة الصحراوية السلمية، التي نقدرها، لكن بالمقابل يبقى الخيار العسكري دائما، قاب قوسين أو أدنى، فكلما استنزفت الوسائل الممكنة والمتاحة، يكون الحل العسكري هو الخيار، وأنا في مثل هذه الحالات سأكون من المشجعين لهذا التوجه، استنادا إلى حقنا في استرجاع حريتنا. وإن كنت أشدد هنا على عدم استخدام الهمجية في الوسائل، إلا أنه وفي الدفاع عن الحق كل الوسائل متاحة، سواء الدبلوماسية أو العسكرية، وبالإضافة إلى هذا فإن المقاومة تقتضي ذلك، حيث لا يمكن الحديث عن حركة تحرير ليس لديها جناح عسكري. • من خلال متابعتك للواقع الدولي ومستجداته، إلى أين تتوجه برأيك القضية الصحراوية في المرحلة المقبلة؟ بالنسبة لي أنا جدمؤمنة ومتأكدة أننا سننال حريتنا، ونحقق استقلالنا، ونسترجع باقي أراضينا، سواء ضغط المجتمع الدولي أو لم يضغط، وسواء استمر الكفاح السلمي أو انتقلنا إلى الكفاح المسلح، فكل هذه وسائل وتفاصيل، ونحن متيقنون أنه ومهما طال الأمد والترقب، نحن نبقى دائما في مركز الأقوى لأننا على الحق، والحق يعلو ولا يعلى عليه. ومن جانب آخر في كل يوم هناك انتكاسة جديدة للنظام المغربي، من خلال الممارسات التي يعري بها وجهه، وآخرها المحاكمة العسكرية التي خضع لها المعتقلون الصحراويون المدنيون، وما فيها من خرق لحقوق الإنسان. • بالعودة إلى أحداث الساعة التي تعرفها الساحة العربية، ماذا يعني لك مصطلح "الربيع العربي"، وهل ترين أنه يخدم القضية الصحراوية؟ في الحقيقة أنا من المتحفظين على مسألة الربيع العربي، كمصطلح، وكنهج، لأن الأمر جد معقد،فهناك شعوب أصبحت تمزق نفسها بنفسها، لأهداف مختلفة، وتفتح المجال للعدو الذي يتربص بها من هنا وهناك. وبالنسبة للمبدأ فإننا وكشعب يطالب بحريته، نحن مع كل الشعوب التي تطالب بحريتها، وحقها في الاستقرار، الديمقراطية، والسلام، لكني لا أعتقد أن ما يحدث حاليا هو ربيع بالنسبة للشعوب العربية، فهناك انهيار للمباني التحتية، والمؤسسات، والأسوأ من هذا موت الأبرياء، الذين لا ناقة لهم ولا جمل في الحسابات السياسية، ومخططات الأعداء، ونحن كشعوب عربية نبقى ملامين لأننا فتحنا هذا المجال للأعداء. لكن ما يصطلح عليه بالربيع العربي، هو فعلا خادم للقضية الصحراوية، فالشعوب العربية كانت تنظر إلينا على أننا حركة انفصالية طامعة في تمزيق العالم العربي، ويعتبروننا أعداء للقومية والوحدة العربية، وذلك استنادا للدعاية الإعلامية المغربية، ودون العودة لأصل الصراع، وجذور القضية، لكن بعد أن أصبح المواطن العربي في مواجهة نظامه، وهو يطالب بحقه في ثروات بلاده، وتعيين واختيار النظام الحاكم، أصبحت الشعوب العربية تفهمنا أكثر، وتفهم أن لكل شعب حقه في تقرير مصيره. كما أن الأنظمة التي سقطت مثل نظام بن علي ومبارك، كانت من الأنظمة المعادية تماما للقضية الصحراوية، ونأمل أن تكون الأنظمة الجديدة أكثر وعيا وانفتاحا من سابقتها، ولا تتبع أي دعاية أو موجة موجهة من أي طرف.