”إن ما يصنعه الإنسان عندما يغلق على نفسه في غرفة ويجلس إلى منضدة ويترك الدنيا إلى ركن يعبر فيه عن أفكاره ذلك هو معنى الأدب” من ”حقيبة أبي” كلمة أورهان باموك التي ألقاها وهو يتسلم جائزة نوبل للأدب، كثيرون يتساءلون عن الفائدة من الأدب؟ ما الفائدة من ترك الحياة والانزواء في ركن لممارسة حياة أخرى؟ للتورط مع أبطال افتراضيين يحمِّلون مخترعهم مسؤولية خلقهم من التكوين حتى النهاية، والدفاع عنهم بعد ذلك وتبرير مواقفهم وأفعالهم، هل يستحق الأدب هذا العناء؟ لماذا يصعب التخلص من كوكايين الكتابة إلى هذه الدرجة؟ ولماذا يكتب البشر أصلا؟ يكتب البشر ربما خوفا من الفناء وحبا في الخلود أيض ، يكتب البشر غضبا وردا للظلم، وربما حلما بامتلاك ما لا يملكون، أو رغبة في استرجاع ما كانوا يملكون، يكتب البشر غيرة مما يقرأون كذلك، ورغبة في التَمثل بكتّابهم، ولعلهم يكتبون لأنهم لا يتقنون غير ذلك، نعم ثمة من ولد ليكتب وفقط، يكتب الناس لينفضوا الغبار عن قصصهم التي لا يعرفها أحد عن أحزانهم وخيباتهم التي يحسنون إخفاءها هناك من يكتب لمتعة وحده يعرفها هناك من يكتب لأنه يُقرأ لأنه يعرف أن أحدهم في مكان ما ينتظر كلماته بلهفة فالكتابة متعلقة بالقراءة كثيرا، القراءة هروب آخر من الحياة لماذا نقرأ؟ لماذا يوافق القارئ على الدفع من رصيد حياته تكاليف الوقت الذي يمضيه مع رواية أو قصة، يقرأ الناس ربما ليتغيروا ليجعلوا أنفسهم أحسن ليحاولوا التحضر ليهربوا مما لا يرضونه، نقرأ لنصير أقل عنفا لنعيش وهما جميلا بأننا حصلنا على ما لم نستطيع الحصول عليه يوما، نقرأ لنعرف أننا نشبه الكثيرين وأننا لسنا مسخا في الحياة، نقرأ لنباهي من لا يقرأون بقراءاتنا ليقال عنا مثقفين و”راسنا معمر”، نقرأ لنحاول الكتابة ربما لنزاحم من نقرأهم، نقرأ لأن القراءة هي الأمر المتاح لنا من متع الحياة يقول تشارلز ديكنزفي حديثه عن أهمية الأدب ”إن الأدب أكثر فلسفة من الفلسفة في حد ذاتها الأدب وحده قادر على الإنطلاق إلى الأمور مباشرة وتعريفها” هل يمكن أن تعاش الحياة بدون أدب؟ تصوروا لو أننا استيقضنا يوما ووجدنا أن الأدب صار جريمة تعاقب عليها القوانين الدولية؟ وأن الأدباء استقالوا وقرروا إحراق مؤلفاتهم ومؤلفات من سبقوهم والاحتفاظ بالأمر ضمن جمعية سرية للأدب؟ هل يمكن أن تعاش الحياة بدون أدب؟ بدون قراءة ولا كتابة؟، ممكن، ثمة من لا يكتب ولا يقرأ لكنه حي مع ذلك، يشبه الأدب حبة كرز على قطعة ”قاطو” قد يراه البعض إضافة جميلة لا يصنع غيابها فارقا كبيرا لكن المؤكد أن تلك الحبة هي من يصنع كل الفارق، تساءلتم يوما لماذا توضع حبة كرز واحدة فقط؟ لأنه ”حب الملوك” لأن أصحاب الذوق الملكي وحدهم يعرفون كيف لا يمكن الاستغناء عما يعتبره آخرون ”زيادة”.