جدد رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في أول خطاب له ألقاه بمناسبة تأدية اليمين الدستورية أمس عزمه على الالتزام بالتعهدات التي قطعها على نفسه خلال الحملة الانتخابية وفي مقدمتها مواصلة مسعى المصالحة الوطنية وتحريك عجلة التنمية وتحسين ظروف معيشة المواطنين. حمل خطاب رئيس الجمهورية الذي استهل به عهدته الرئاسية الثالثة على التوالي أهم المحاور التي تطرق إليها طيلة الحملة الانتخابية ولعل أبرزها التزامه بمواصلة مسعى المصالحة الوطنية وتعميقه على اعتبار أنه أتاح عودة السلم المدني الكفيل »بتعزيز التلاحم الاجتماعي وضمان ديمومة الوطن«. وكان رئيس الجمهورية قد أكد طيلة الحملة الانتخابية التي قادته الى أغلب ولايات الوطن بأنه ماض في مسعى المصالحة الوطنية الذي استفتى فيه الشعب وزكاه بالأغلبية، وأنه خلال العهدة الجديدة سيعكف على استكمال تجسيد بنود الميثاق التي يكرسها والإبقاء على أبواب التوبة مفتوحة بعد ما أوضح بأن المسعى غير محدد بوقت وزمن معين وإنما معالجة الشق الأمني تقتضي التريث وأخذ الوقت اللازم من أجل منح فرصة لأولئك الذين يرغبون في العودة إلى جادة الصواب. ونبه الرئيس بوتفليقة في نفس السياق في عدة مناسبات إلى أنه وموازاة مع إبقاء أبواب التوبة مفتوحة في خطوة لإطفاء نار الفتنة، فإن الدولة ستواصل جهودها المندرجة في إطار مكافحة الارهاب دون هوادة حيث سيقف الشعب والجيش الوطني الشعبي وأسلاك الأمن الوطني بالمرصاد لكل من يرفض وضع السلاح. ورغم أن القاضي الاول في البلاد لم يتطرق الى مسعى العفو الشامل خلال أول خطاب له إلا أنه أوضح موقفه خلال الحملة الانتخابية منه وتصوره له، بتأكيده بأنه لا عفو دون استفتاء وأن الشعب صاحب الكلمة الأخيرة في هذه القضية المصيرية، لافتا الانتباه الى ضرورة اختيار التوقيت المناسب لتفادي أي نتائج عكسية سلبية قد تقود الى دائرة العنف مجددا. وعبر بوتفليقة عن اعتزازه باختياره من قبل أغلبية الشعب الجزائري، وأوضح بأن ذلك لا يمنعه من تقدير »حق التقدير جسامة ما يحملني ذلك من مسؤولية، لأن الامر يتعلق بتلبية تطلعاتكم وآمالكم والسير بالجزائر قدما حتى تصبح ذلكم البلد القوي الآمن المزدهر الذي نحلم به جميعا« مضيفا في السياق ذاته »وما يزيد هذه المسؤولية جسامة أننا نعيش في عالم تلفه وتتهدده من كل جانب الازمات... وكذا الازمة المالية الحادة التي تضرب الاقتصاد العالمي ولا تستثني بلادنا كغيرها من بلدان العالم الثالث«. ولم يخف الرئيس لدى شروعه في الولاية الثالثة له على التوالي بعد افتكاكه ثقة الشعب الجزائري في الانتخابات الرئاسية لسنة 1999 و 2004 وآخرها الاقتراع الاخير الذي جرى يوم التاسع افريل الجاري بان المقتضيات الاساسية للسياسة الوطنية تقوم أساسا على تجميع الموارد من كفاءات وطاقات وكذا توفير الشروط التي تتيح لها استغلال جميع طاقاتها وإمكانياتها. ولم يفوت الرئيس بوتفليقة الفرصة في الإشارة الى نجاح البلاد في العودة بعزم وإصرار الى نهج التنمية رغم الركود الاقتصادي والظرف الاجتماعي الذي أنهكها طيلة عشريتين كاملتين، ورغم التقدم المحقق بفضل انتهاج سياسة اجتماعية فعالة خلال الاعوام الاخيرة أضاف يقول »إلا أنني أبقى واعيا كل الوعي بالصعوبات التي ما تزال فئات عريضة من شعبنا تتخبط فيها من منطلق إدراكي لتطلعاتها المشروعة«. وعلى هذا الاساس، أكد رئيس الجمهورية بأنه سيعمل على تحسين ظروف معيشة المواطنين ليبقي بذلك عليها في صدارة الأولويات وذلك من خلال استكمال جهود التضامن الوطني تجاه الفئات الضعيفة وتوفير السكن والمياه وشبكات الصرف والطاقة والهياكل الصحية التي تشكل صلب برامج إستثمار هامة. ولدى تطرقه الي الأهداف المسطرة خلال الخماسي الجديد الذي يمتد إلى غاية 2014 ، ذكر الرئيس تحديث المرافق العمومية وترشيد تنظيمها وتسييرها بشكل مناسب، بالإضافة الى تشديد الصرامة في التسيير والمتابعة وتطوير روح المبادرة والنظرة الاستشرافية على اعتبار أنها الشروط التي يتوقف عليها التقدم. واستنادا إلى الخطاب فإن الدولة ستعمل على تسريع عملية إصلاح هياكل الدولة ومهامها واعتماد توزيع جديد للسلطات العمومية لتكريس اللامركزية مع إرفاقها بأدوات مراقبة فعالة وبانخراط واسع ومسؤول للمواطنين، وهي نقطة تكتسي أهمية بالغة كونها تكرس الرقابة الشعبية في الوقت الذي تتولى فيه الدولة تعزيز المساعي الرامية إلى ترقية وتنمية الحس الوطني وثقافة المواطنة. وفي سياق مغاير ولدى تناوله الشق الاقتصادي أكد بأن الأزمة الاقتصادية الخطيرة لم تمنع من تطبيق البرامج التنموية الاجتماعية بفضل توجهات السياسة المالية المعتمدة والتي سمحت بالتخلص من المديونية وتشكيل احتياطات لمواجهة تقلبات أسواق النفط، لكن ذلك اضاف يقول الرئيس- »لا يمنعنا من توخي المزيد من الحيطة تجاه تطورات الاقتصاد العالمي«، لاسيما وأن النفط طاقة زائلة، ولمواجهة هذا المشكل تم الحرص على تكييف إطار تسيير الاقتصاد وتوسيع وتحديث المنشآت القاعدية الاقتصادية وعلى تطهير مؤسساتنا المالية والشروع في تحديثها وإعادة تحديد حيز القطاع العمومي الاقتصادي وترشيد تنظيمه. وخلص رئيس الجمهورية الى أن الظروف ملائمة لمباشرة حركة واسعة لتنويع النسيج الاقتصادي وتكثيفه وستعمل الدولة على تحفيزه ودعمه بإنعاش الاستثمار وكسر العراقيل التي تكبح المبادرة الخاصة وبالتشجيع الجبائي للنشاطات التي تدر قيمة مضافة وبمواصلة الانفتاح على الاستثمار الأجنبي. كما توقف عند المجهودات المبذولة لإصلاح المنظمة التربوية التي ستبقى في صدارة الأولويات وفي قطاع التعليم العالي وتوفير الظروف لتحقيق انطلاقة فعلية للبحث وكذا قطاع التكوين المهني الذي ساهم في الإدماج الاجتماعي للشباب. والتزم الرئيس مجددا باستحداث ما لا يقل عن 3 ملايين منصب شغل أعلن عنها خلال الحملة الانتخابية وقبل ذلك لدى إعلانه عن نيته في الترشح لعهدة ثالثة وذلك لوضع حد للإحساس بالإحباط لاسيما وأن الجزائر في حاجة الى كل الكفاءات، كما أنه وضع برامج استثمارية لفائدة الشباب وفتح قنوات الإصغاء. جدير بالذكر أن الخطاب الاول لعهدة تمتد 5 أعوام جاء حاملا للخطوط العريضة لبرنامج سيستكمل إنجازه بعد ما شرع فيه الرئيس قبل نحو 10 أعوام.