أكملت المصالحة الوطنية سنتها الثالثة محققة نتائج لم يكن يتوقعها أحد من ناحية نزول الأشخاص المغرر بهم من الجبال والتكفل بكل الذين استفادوا من مزايا ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي اختاره الشعب الجزائري بكل حرية وسيادة يوم 29 سبتمبر .2005 منذ مجيئ الرئيس بوتفليقة إلى سدة الحكم طرأ تغيير جذري على المعادلة الأمنية وهذا من خلال الإرادة القوية التي أظهرها من أجل تسوية هذ ه الحالة المأساوية التي أدخلت البلاد في متاهات لا مخرج منها، وأول مسعى في هذا الشأن كان الوئام المدني الذي سمح فعلا بإستعادة 19 ألف قطعة سلاح وعودة 6 ألاف شخص إلى أعضان المجتمع. هذا الخيار هو نتيجة قناعات عميقة لرئيس الجمهورية الذي أورد في برنامجه ثلاثة محاور إستراتجية وهي : حل الأزمة الأمنية حلا نهائيا. ترقية الإقتصاد الوطني إلى درجة محترمة. عودة أو إعادة الجزائر إلى المحافل الدولية إن عاجلا أوآجلا . هذه التوجهات السياسية والامنية والاقتصادية والديبلوماسية سارت في خانة واحدة على اساس رزنامة واحدة بعيدة عن كل ارتجالية أو عفوية أو اعتباطية أو شيء من هذا القبيل. بل أن الطريق كان شاقا ومضنيا تطلب الكثير من الصبر والحكمة والتعقل كون الأمر لم يكن سهلا أبدا بحكم التراكمات السابقة خلال التسعينات والتي كانت تحاصر أي عمل، وتؤثر على أي نشاط، في هذا الاتجاه الرامي الى تنقية الاجواء داخليا وخارجيا. وما كان فعلا يحز في نفسية رئيس الجمهورية هو رؤية الجزائر تئن تحت رحمة اعمال العنف التي قضت على الأخضر واليابس خلال عشرية كاملة.. وكان لا بد من قرارات شجاعة تضرب في عمق الشعب الجزائري لمعرفة حقا رأيه فيما يجري وعندما كان الحدث حساسا وشائكا عرضت على الجزائريين هذه الخيارات، في شكل استفتاء ليفصل نهائيا في هذا الأمر، ويتحمل مسؤوليته التاريخية في هذا الشأن. ولا بد في هذا الاطار أن الوئام المدني حقق نتائج باهرة على مستوى تسوية الأزمة الأمنية مما استدعى الانتقال الى مرحلة أعلى وهي المصالحة الوطنية التي تعد امتدادا طبيعيا للوئام، ورافدا من روافد المساهمة في التسوية الأمنية بشكل شامل وهذا من خلال تقنين هذا المسعى. وبالفعل انتقلت الجزائر الى فضاء أكثر جرأة في التعامل مع الأزمة الأمنية وهذا بطرح ثانية المسألة على الشعب الجزائري للفصل فيها، وهكذا فقد استدعي الجزائريون يوم 29 سبتمبر 2005 للادلاء بأصواتهم بخصوص نص قانون آخر جاء ليدعم الأمن والاستقرار في البلاد... ومرة أخرى كان هذا الشعب في مستوى الحدث المأمول. وهكذا تعزز مسار عودة السكينة والطمأنينة الى كامل ربوع الوطن، وقد يخطىء من يعتقد بأن المسألة كانت سهلة بل هي مسؤولية تاريخية ما فتىء رئيس الجمهورية يؤكد عليها أثناء خرجاته الميدانية التحسيسية من أجل المصالحة الوطنية، وفي كل مرة كان يقول للحضور الكريم خلال التجمعات الشعبية بأنه لا بديل على المصالحة الوطنية.. وإن كان هناك حل آخر فأتوني به.. وهو بذلك فتح باب الحوار على مصراعيه بين أبناء الشعب الواحد من أجل ادراك حجم المأساة التي كان يتخبط فيها الجزائريون. ومن جهة أخرى فإن الرسالة القوية التي اريد تمريرها هي أن الحلول التي كانت سائدة في السابق لم تستطيع تحقيق الهدف المنشود منها.. كونها لم تنفتح بالقدر الكافي على باقي الملف الأمني وشرعت في معالجته من زاوية محددة جدا وهي الرؤية الأمنية فقط.. في حين كان الوضع صعبا ومعقدا على أكثر من صعيد. والمصالحة هي قناعات عميقة لرئيس الجمهورية استطاعت أن تعيد السلم الى كامل الجزائر.. وهذا هو الجوهر هنا، ويجب أن لا نخلط بين التفجيرات الاخيرة والمصالحة لنصدر الاحكام العشوائية وغير المنصفة تجاه هذا الخيار. ما يقع من حين لآخر ما هو الا عمل من الاعمال الاجرامية التي لا تحمل أي دلالة سياسية أو تغطية من هذا النوع.. هذه الممارسات فشلت أمام المصالحة ولم يعد لها أي معنى او تأثير لأن الاجماع الوطني اختار موقع المصالحة ولن يحيد عن هذه القناعات المعبر عنها منذ التسعينات... والمجسدة اليوم في شكل نصوص مقننة منصفة للجميع لم تظلم أحدا.. بل في المقام الأول حيت الكفاح الكبير الذي خاضته طلائع القوات الحية للأمة ضد كل هذا العنف... ومن جهة ثانية فإن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية سعى من أجل تقوية مفهوم اعادة ادماج كل المغرر بهم في المجتمع، ومغزاها العميق هو التسامح والصفح الجميل والتضامن والرحمة ونشر ثقافة التكفل بالآخر.. هذه هي قيم المصالحة الوطنية وليس كما يدعيه البعض بأنها جاءت لتكريس مبدأ اللاعقاب. يجب أن يدرك حاملو هذه الادعاءات الكاذبة بأن الدعوة لمثل هذه الاقاويل الكاذبة انما يراد منها اطالة عمر الازمة الامنية واعطاء الانطباع للأجانب بأن الوضع الأمني لم يتغير.. والحقيقة التي حجبها هؤلاء هو أنهم نسوا بسرعة فائقة ما حدث في هذا الوطن خلال التسعينات عندما كان الدخول الى المنازل على الساعة الخامسة أو السادسة والشمس لم تغرب بعد.. هكذا كان حالنا، أما اليوم فقد تغيرت المعطيات رأسا على عقب بفضل المصالحة الوطنية التي اعادت الامور والاوضاع الى طبيعتها. فشتان بين اليوم والأمس. لذلك فإن المصالحة ليست مجرد بنود قوانين بل هي مشروع مجتمع يمتد في الزمان والمكان يعيد اللحمة بين ابناء الشعب الواحد.. من أجل مستقبل يكون فيه الشعار »الوطن للجميع« هذه هي النظرة الحكيمة. جمال أوكيلي الجزائريون يتجاوبون مع المصالحة الوطنية تضحية ثانية من أجل الجزائر فرضت المصالحة الوطنية نفسها خيارا أسياسيا لتأسيس مرحلة جديدة من تاريخ الجزائر ميزها التسامح والتآخي والألفة والجدل بالتي هي أحسن بعيدا عن الحقد والتطرف والإقصاء. وكشفت المصالحة التي ايدها الجزائريون بالاغلبية منهيين حالة الشكوك والمتاجرة بالازمة، انها اقوى الحلول واكثرها استراتيجية لتوديع حقبة سوداء، مريرة، كادت ان تدخل البلاد الى فتنة لا مخرج لها، وزادت المصالحة قيمة واعتبارا متحدية عصابات الارهاب المتمادية في استباحة الدم الجزائري والاعتداء على اقدس الحقوق الآدمية ممثلة في الحق بالحياة، وهي عصابات توظف اشياء ما انزل الله بها من سلطان، وتستخدم الاسلام في غير موضعه وتستغله في هتك الاعراض، وضرب المقدسات والقيم الاسلامية السمحاء، المناشدة للصفاء القلوب ونقاء الضمير وروح المسؤولية وصدق الروابط والاخوة. وهذه الصفات ظلت لصيقة بالمجتمع الجزائري على ممر الايام والحقب، وكانت الارضية الصلبة لكل عمل تضامني طبع افراده، وحتم عليهم الالتزام الابدي بهذه المواصفات، والتمسك بها الى ابعد الحدود، انها صفات تترأى للملأ، كلما طرأت ازمة، وطارىء ليهب الجزائريون، كرجل واحد في مآزرة بعضهم البعض ومساندة بعضهم البعض والصورة الكبرى، اكتملت في فيضانات باب الواد، وزلزال ماي الاسود، ومحطات اخرى، محمولة في الذاكرة لا يمحيها الزمن. من هذه الزاوية وتفهم المصالحة وتقرأ بتأن وعمق، وتعطي لها بعدها الحقيقي دون مزايدة وتأويلات من هذه الزاوية، يتضح لنا الموقف وتظهر الاجابة حول لماذا احتلت المصالحة الوطنية مكانة مركزية في برنامج الاصلاح والتقويم الذي جاء به رئيس الجمهورية وكيف بقي وفيا لهذا الالتزام وهو الذي ظل في اولى سنوات الحكم يردد على الملأ، بأنه جاء من اجل اطفاء نار الازمة الملتهبة والعودة بالجزائر الى سابق عهدها من العزة والكرامة، قوية بالمصالحة متعززة بالتضامن والأنفة مستقرة بالسياسة الوطنية التي الجزائريين أخوة في الدين، معتصمين بحبل الله متآلفين ملتفين حول الوطن الجريح الذي تآمر عليه الابناء قبل الاعداء. لقد فرضت ازمة العشرية آثار وخيمة على النسيج الاجتماعي وكانت لقمة سائغة للفكر المتطرف الذي احدث شروحا وتصدي في البنى الاجتماعي لم يسده سوى نهج الوئام والمصالحة التي هب الجزائريون لناصرتها والتجاوب لها مقتنعين حتى الثمالة بانها البديل الانسب والحل المنطقي لتراجيديا خلفت ضحايا وخسائر مادية، مكلفة تجاوزت 20 مليار دولار. وكسرت منشآت قاعدية ومصانع وزج بآلاف العمال في الشارع، تحت رحمة البطالة واليأس والبؤس، وبات من الجنون والانتحار الابقاء على هذا الوضع الجهنمي الذي زادته تعقيدا وتأججا الحملات المسعورة لمنظمات حقوقية بصب الزيت على النار بالترويج المغلوط لمقولة ''من يقتل من؟'' ثم من يتصالح مع من !.. وسايرت هذه الجنونية، بعض الفضائيات التي جعلت من مأساة الجزائر مادة اعلامية لها تتصدر اولى العناوين والواجهة ولكن وعلى حد المثل الشعبي، ''دوام الحال من الاحوال'' لم تكن هذه المزايدة سوى مرحلية، بعد ان ابطل مفعولها تصويت الجزائريين على ميثاق السلم والمصالحة، مقدمين تضحية اخرى من اجل الوطن. فجاءت التدابير لعلاج منصف لآثار ازمة، في اطار تضامن وطني وبناء مجتمع متوازن متلاحم يقبل الانفتاح في ظل الهوية والانتماء والاصالة، يرفض ان تجعل من الماضي اسيرا لمنطلقات العصرنة والاصلاح، انه عهد تشيده المصالحة، لامكانة فيه للرهبانية ونكران العقيدة، قاعدته التصالح مع الذات والتاريخ والانطلاقة بمسؤولية وتحد نحو تصحيح الخل والانكسارات وجعلها منها وثبة نحو الغد. لقد تعب الجزائريون من المجازر والسيارات المفخخة والحواجز المزيفة وسئم كذلك ممن يتحدثون عن المجازر بالأقلام والالفاظ الجريحة التي لاتعير للمشاعر ادنى الاحترام والاهتمام ، ويرى الى حد الثمالة، ان الحل لن يكون في حد السيف والاستئصال، بل المصالحة الوطنية حاملة اصلاحات سياسية / اجتماعية، تعيد للجزائر التوازن المفقود وتضمن لها استتباب الامن الذي يعلو فوق كل الحسابات. ------------------------------------------------------------------------